دعاء

قلت المدون تم بحمد الله : فسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته} أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . اميـن

السبت، 25 أبريل 2020



اسماء الله الحسنى
وَأَسْمَاءُ اللَّهِ الْحُسْنَى هِيَ الَّتِي أَثْبَتَهَا تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهَا لَهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنَ بِهَا جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْأَعْرَافِ: 180]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الْإِسْرَاءِ: 110]
، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8]
، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْحَشْرِ: 22-24]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهُوَ وِتْرٌ ويحب الْوِتْرَ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَزَادَ «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ الْغَفَّارُ الْقَهَّارُ الْوَهَّابُ الرَّزَّاقُ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الْخَافِضُ الرَّافِعُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ الْغَفُورُ الشَّكُورُ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ الْحَفِيظُ الْمُقِيتُ الْحَسِيبُ الْجَلِيلُ الْكَرِيمُ الرَّقِيبُ الْمُجِيبُ الْوَاسِعُ الْحَكِيمُ الْوَدُودُ الْمَجِيدُ الْبَاعِثُ الشَّهِيدُ الْحَقُّ الْوَكِيلُ الْقَوِيُّ الْمَتِينُ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ الْمُحْصِيُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْمُحْيِيُ الْمُمِيتُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْوَاجِدُ الْمَاجِدُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ الْمُقَدِّمُ الْمُؤَخِّرُ الْأَوَّلُ الْآخِرُ الظَّاهِرُ الباطن الوالي الم تعالى الْبَرُّ التَّوَّابُ الْمُنْتَقِمُ الْعَفُوُّ الرَّءُوفُ مَالِكُ الْمُلْكِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الْمُقْسِطُ الْجَامِعُ الْغَنِيُّ الْمُغْنِي الْمُعْطِي الْمَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ النُّورُ الْهَادِي الْبَدِيعُ الْبَاقِي الْوَارِثُ الرَّشِيدُ الصَّبُورُ» ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا نَعْلَمُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ ذِكْرُ الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَزَادَ: كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ كِلَاهُمَا فِي الدُّعَاءِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَسْأَلُ اللَّهَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ الْإِلَهَ الرَّبَّ الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ السَّلَامَ الْمُؤْمِنَ الْمُهَيْمِنَ الْعَزِيزَ الْجَبَّارَ الْمُتَكَبِّرَ الْخَالِقَ الْبَارِئَ الْمُصَوِّرَ الْحَلِيمَ الْعَلِيمَ السَّمِيعَ الْبَصِيرَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ الْوَاسِعَ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ الْحَنَّانَ الْمَنَّانَ الْبَدِيعَ الْغَفُورَ الْوَدُودَ الشكور المجيد المبدئ الْمُعِيدَ النُّورَ الْبَارِئَ-وَفِي لَفْظٍ الْقَائِمَ- الْأَوَّلَ الْآخِرَ الظَّاهِرَ الْبَاطِنَ الْعَفُوَّ الْغَفَّارَ الْوَهَّابَ الْفَرْدَ-وَفِي لَفْظٍ الْقَادِرَ- الْأَحَدَ الصَّمَدَ الْوَكِيلَ الْكَافِيَ الْبَاقِيَ المغيث الدائم المتعال ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الْمَوْلَى النَّصِيرَ الْحَقَّ الْمَتِينَ الْوَارِثَ الْمُنِيرَ الْبَاعِثَ الْقَدِيرَ-وَفِي لَفْظٍ الْمُجِيبَ- الْمُحْيِيَ الْمُمِيتَ الْحَمِيدَ-وَفِي لَفْظٍ الْجَمِيلَ- الصَّادِقَ الْحَفِيظَ الْمُحِيطَ الْكَبِيرَ الرَّقِيبَ الْفَتَّاحَ التَّوَّابَ الْقَدِيمَ الْوِتْرَ الْفَاطِرَ الرَّزَّاقَ الْعَلَّامَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ الْغَنِيَّ الْمَلِكَ الْمُقْتَدِرَ الْأَكْرَمَ الرَّءُوفَ الْمُدَبِّرَ الْمَالِكَ الْقَاهِرَ الْهَادِيَ الشَّاكِرَ الْكَرِيمَ الرَّفِيعَ الشَّهِيدَ الْوَاحِدَ ذَا الطَّوْلِ ذَا الْمَعَارِجِ ذَا الْفَضْلِ الْخَلَّاقَ الْكَفِيلَ الْجَلِيلَ».
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عَنِ الْأَسْمَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِسْعِينَ الَّتِي مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: هِيَ فِي الْقُرْآنِ فَفِي الْفَاتِحَةِ خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: يَا اللَّهُ يَا رَبُّ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ يَا مَلِكُ وَفِي الْبَقَرَةِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ اسْمًا: يَا مُحِيطُ يَا قَدِيرُ يَا عَلِيمُ يَا حَكِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ يَا تَوَّابُ يَا بَصِيرُ يَا وَلِيُّ يَا وَاسِعُ يَا كَافِي يَا رَءُوفُ يَا بَدِيعُ يَا شَاكِرُ يَا وَاحِدُ يَا سَمِيعُ يَا قَابِضُ يَا بَاسِطُ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا غَنِيُّ يَا حَمِيدُ يَا غَفُورُ يَا حَلِيمُ يَا إِلَهُ يَا قَرِيبُ يَا مُجِيبُ يَا عَزِيزُ يَا نَصِيرُ يَا قَوِيُّ يَا شَدِيدُ يَا سَرِيعُ يَا خَبِيرُ.
وَفِي آلِ عِمْرَانَ: يَا وَهَّابُ يَا قَائِمُ يَا صَادِقُ يَا بَاعِثُ يَا مُنْعِمُ يَا مُتَفَضِّلُ.
وَفِي النِّسَاءِ: يَا حَسِيبُ يَا رَقِيبُ يَا شَهِيدُ يَا مُقِيتُ يَا وَكِيلُ يَا عَلِيُّ يَا كَبِيرُ.
وَفِي الْأَنْعَامِ: يَا فَاطِرُ يَا قَاهِرُ يَا لَطِيفُ يَا بُرْهَانُ.
وَفِي الْأَعْرَافِ: يَا مُحْيِي يَا مُمِيتُ.
وَفِي الْأَنْفَالِ: يَا نِعْمَ الْمَوْلَى وَيَا نِعْمَ النَّصِيرِ.
وَفِي هُودٍ: يَا حَفِيظُ يَا مَجِيدُ يَا وَدُودُ يَا فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ.
وَفِي الرَّعْدِ: يَا كَبِيرُ يَا مُتَعَالِي.
وَفِي إِبْرَاهِيمَ: يَا مَنَّانُ يَا وَارِثُ.
وَفِي الْحِجْرِ: يَا خَلَّاقُ.
وَفِي مَرْيَمَ: يَا فَرْدُ.
وَفِي طه: يَا غَفَّارُ.
وَفِي قَدْ أَفْلَحَ: يَا كَرِيمُ.
وَفِي النُّورِ: يَا حَقُّ يَا مُبِينُ.
وَفِي الْفُرْقَانِ: يَا هَادٍ وَفِي سَبَأٍ: يَا فَتَّاحُ.
وَفِي الزُّمَرِ: يَا عَالِمُ.
وَفِي غَافِرٍ: يَا قَابِلَ التَّوْبِ يَا ذَا الطَّوْلِ يَا رَفِيعُ.
وَفِي الذَّارِيَاتِ: يَا رَزَّاقُ يَا ذَا الْقُوَّةِ يَا مَتِينُ.
وَفِي الطُّورِ: يَا بَرُّ.
وِفِي اقْتَرَبَتْ: يَا مُقْتَدِرُ يَا مَلِيكُ.
وَفِي الرَّحْمَنِ: يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا رب المشرقين يارب الْمَغْرِبَيْنِ يَا بَاقِي يَا مُعِينُ.
وَفِي الْحَدِيدِ: يَا أَوَّلُ يَا آخِرُ يَا ظَاهِرُ يَا بَاطِنُ.
وَفِي الْحَشْرِ: يَا مَلِكُ يَا قُدُّوسُ يَا سَلَامُ يَا مُؤْمِنُ يَا مُهَيْمِنُ يَا جَبَّارُ يَا مُتَكَبِّرُ يَا خَالِقُ يَا بَارِئُ يَا مُصَوِّرُ.
وَفِي البروج: يا مبدئ يَا مُعِيدُ.
وَفِي الْفَجْرِ: يَا وِتْرُ.
وَفِي الْإِخْلَاصِ: يَا أَحَدُ يا صمد.
وَقَدْ حَرَّرَهَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
(تَلْخِيصِ الْحَبِيرِ) تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مُنْطَبِقَةً عَلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ وَرَتَّبَهَا هَكَذَا: اللَّهُ الرَّبُّ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ الْأَوَّلُ الْآخِرُ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ التَّوَّابُ الْحَلِيمُ الْوَاسِعُ الْحَكِيمُ الشَّاكِرُ الْعَلِيمُ الْغَنِيُّ الْكَرِيمُ الْعَفُوُّ الْقَدِيرُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْمَوْلَى النَّصِيرُ الْقَرِيبُ الْمُجِيبُ الرَّقِيبُ الْحَسِيبُ الْقَوِيُّ الشَّهِيدُ الْحَمِيدُ الْمَجِيدُ الْمُحِيطُ الْحَفِيظُ الْحَقُّ الْمُبِينُ الْغَفَّارُ الْقَهَّارُ الْخَلَّاقُ الْفَتَّاحُ الْوَدُودُ الْغَفُورُ الرَّءُوفُ الشَّكُورُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ الْمُقِيتُ الْمُسْتَعَانُ الْوَهَّابُ الْحَفِيُّ الْوَارِثُ الْوَلِيُّ الْقَائِمُ الْقَادِرُ الْغَالِبُ الْقَاهِرُ الْبَرُّ الْحَافِظُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الْمَلِيكُ الْمُقْتَدِرُ الْوَكِيلُ الْهَادِي الْكَفِيلُ الْكَافِي الْأَكْرَمُ الْأَعْلَى الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلُ التَّوْبِ شَدِيدُ الْعِقَابِ ذُو الطَّوْلِ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ سَرِيعُ الْحِسَابِ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَالِكُ الْمُلْكِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
وَقَدْ عَدَّهَا جَمَاعَةٌ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْنَا كَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ حَزْمٍ وَالْقُرْطُبِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَعَدَّهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي
(أَحْكَامِ الْقُرْآنِ) مُرَتِّبًا لَهَا عَلَى السُّوَرِ، لَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي بَعْضِ مَا عَدَّهُ كَمَا سَنُشِيرُ إِلَيْهِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢
اسماء الله عز وجل ليست بمنحصرة في التسعة والتسعين المذكورة
وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَتْ بِمُنْحَصِرَةٍ فِي التِّسْعَةِ وَالتِسْعِينَ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا فِيمَا اسْتَخْرَجَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْقُرْآنِ بَلْ وَلَا فِيمَا عَلِمَتْهُ الرُّسُلُ وَالْمَلَائِكَةُ وَجَمِيعُ الْمَخْلُوقِينَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هم ولا وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرَتْ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ حُزْنَهُ وَهَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا».
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا».
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ إِلَّا مُقْتَرِنًا بِمُقَابِلِهِ فَإِذَا أُطْلِقَ وَحْدَهُ أَوْهَمَ نَقْصًا تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
فَمِنْهَا الْمُعْطِي الْمَانِعُ وَالضَّارُّ النَّافِعُ وَالْقَابِضُ الْبَاسِطُ وَالْمُعِزُّ الْمُذِلُّ وَالْخَافِضُ الرَّافِعُ فَلَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَانِعُ الضَّارُّ الْقَابِضُ الْمُذِلُّ الْخَافِضُ كُلًّا عَلَى انْفِرَادِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ ازْدِوَاجِهَا بِمُقَابِلَاتِهَا إِذْ لَمْ تُطْلَقْ فِي الْوَحْيِ إِلَّا كَذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ الْمُنْتَقِمُ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا مُضَافًا إِلَى ذُو كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 4]
، أَوْ مُقَيَّدًا بِالْمُجْرِمِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السَّجْدَةِ: 22]
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ أَفْعَالٌ أَطْلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى سَبِيلِ الْجَزَاءِ الْعَدْلِ وَالْمُقَابَلَةِ، وَهِيَ فِيمَا سِيقَتْ فِيهِ مَدْحٌ وَكَمَالٌ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَقَّ له تعالى منها أَسْمَاءٌ وَلَا تُطْلَقَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا سِيقَتْ فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النِّسَاءِ: 142]
، وَقَوْلِهِ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [النِّسَاءِ: 54]
، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التَّوْبَةِ: 67]
، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [الْبَقَرَةِ: 14]
، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُخَادِعٌ مَاكِرٌ نَاسٍ مُسْتَهْزِئٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا يُقَالُ: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ وَيُخَادِعُ وَيَمْكُرُ وَيَنْسَى عَلَى سَبِيلِ الْإِطْلَاقِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَصِفْ نَفْسَهُ بِالْكَيْدِ وَالْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالِاسْتِهْزَاءِ مُطْلَقًا، وَلَا ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَمَنْ ظن من الجهال الْمُصَنَّفِينَ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمَاكِرَ الْمُخَادِعَ الْمُسْتَهْزِئَ الْكَائِدَ فَقَدْ فَاهَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ وَتَكَادُ الْأَسْمَاعُ تُصَمُّ عِنْدَ سَمَاعِهِ، وَغَرَّ هَذَا الْجَاهِلَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَطْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فَاشْتَقَّ لَهُ مِنْهَا أَسْمَاءً وَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى كُلُّهَا حُسْنَى فَأَدْخَلَهَا فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَقَرَنَهَا بِالرَّحِيمِ الْوَدُودِ الْحَكِيمِ الْكَرِيمِ، وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَيْسَتْ مَمْدُوحَةً مُطْلَقًا بَلْ تُمْدَحُ فِي مَوْضِعٍ وَتُذَمُّ فِي مَوْضِعٍ فَلَا يَجُوزُ إِطْلَاقُ أَفْعَالِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا فَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ تَعَالَى يَمْكُرُ وَيُخَادِعُ وَيَسْتَهْزِئُ وَيَكِيدُ فَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لَا يُشْتَقَّ لَهُ مِنْهَا أَسْمَاءٌ يُسَمَّى بِهَا بَلْ إِذَا كَانَ لَمْ يَأْتِ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْمُرِيدُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَلَا الْفَاعِلُ وَلَا الصَّانِعُ لِأَنَّ مُسَمَّيَاتِهَا تَنْقَسِمُ إِلَى مَمْدُوحٍ وَمَذْمُومٍ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْأَنْوَاعِ الْمَحْمُودَةِ مِنْهَا كَالْحَلِيمِ وَالْحَكِيمِ وَالْعَزِيزِ وَالْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْهَا الْمَاكِرُ وَالْمُخَادِعُ وَالْمُسْتَهْزِئُ ثُمَّ يَلْزَمُ هَذَا الْغَالِطَ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الدَّاعِيَ وَالْآتِيَ وَالْجَائِيَ وَالذَّاهِبَ وَالْقَادِمَ وَالرَّائِدَ وَالنَّاسِيَ وَالْقَاسِمَ وَالسَّاخِطَ وَالْغَضْبَانَ وَاللَّاعِنَ إِلَى أَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنَ الَّتِي أَطْلَقَ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ أَفْعَالَهَا فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَلَا عَاقِلٌ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَصِفْ نَفْسَهُ بِالْكَيْدِ وَالْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ الْجَزَاءِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُجَازَاةَ عَلَى ذَلِكَ حَسَنَةٌ مِنَ الْمَخْلُوقِ فَكَيْفَ مِنَ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قُلْتُ وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ لَكَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ النَّظَرِ فِي بَعْضِ مَا عَدَّهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَإِنَّ الْفَاعِلَ وَالزَّارِعَ إِذَا أُطْلِقَا بِدُونِ مُتَعَلِّقٍ وَلَا سِيَاقٍ يَدُلُّ عَلَى وَصْفِ الْكَمَالِ فِيهِمَا فَلَا يُفِيدَانِ مَدْحًا، أَمَّا سِيَاقِهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا فَهِيَ صِفَاتُ كَمَالٍ وَمَدْحٍ وَتَوَحُّدٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 104]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الْوَاقِعَةِ: 36-64]
، الْآيَاتِ بِخِلَافِ مَا إِذَا عُدَّتْ مُجَرَّدَةً عَنْ مُتَعَلَّقَاتِهَا وَمَا سِيقَتْ فِيهِ وَلَهُ، وَأَكْبَرُ مُصِيبَةٍ أَنْ عَدَّ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى رَابِعَ ثَلَاثَةٍ وَسَادِسَ خَمْسَةٍ مُصَرِّحًا قَبْلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَفِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ اسْمَانِ، فَذَكَرَهُمَا وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ فَإِنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَقْتَضِيهِ بِوَجْهٍ لَا مَنْطُوقًا وَلَا مَفْهُومًا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [الْمُجَادَلَةِ: 8]
، الْآيَةَ وَأَيْنَ فِي هَذَا السِّيَاقِ رَابِعُ ثَلَاثَةٍ سَادِسُ خَمْسَةٍ؟ وَكَانَ حَقُّهُ اللَّائِقُ بِمُرَادِهِ أَنْ يَقُولَ: رَابِعُ كُلِّ ثَلَاثَةٍ فِي نَجْوَاهُمْ وَسَادِسُ كُلِّ خَمْسَةٍ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَفْعَالَهُمْ وَيَسْمَعُ أَقْوَالَهُمْ كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ صَدْرِ الْآيَةِ وَلَكِنْ لَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا سِيَاقُ الْآيَةِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
دلالة الاسماء على حقيقتها
وَاعْلَمْ أَنَّ دَلَالَةَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهَا مُطَابَقَةً وَتَضَمُّنًا وَالْتِزَامًا، فَدَلَالَةُ اسْمِهِ تَعَالَى
(الرَّحْمَنِ) عَلَى ذَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ مُطَابَقَةً وَعَلَى صِفَةِ الرَّحْمَةِ تَضَمُّنًا وَعَلَى الْحَيَاةِ وَغَيْرِهَا الْتِزَامًا وَهَكَذَا سَائِرُ أَسْمَائِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَيْسَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ كَمَا يَقُولُهُ الْمُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ جل هُوَ الْإِلَهُ وَمَا سِوَاهُ عَبِيدٌ وَهُوَ الرَّبُّ وَمَا سِوَاهُ مَرْبُوبٌ وَهُوَ الْخَالِقُ وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَمَا سِوَاهُ مُحْدَثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْآخِرُ الْبَاقِي فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَمَا سِوَاهُ فَانٍ، فَلَوْ كَانَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ كَمَا زَعَمُوا لَكَانَتْ مَخْلُوقَةً مَرْبُوبَةً مُحْدَثَةً فَانِيَةً إِذْ كُلُّ مَا سِوَاهُ كَذَلِكَ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
أَسْمَاءُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ:وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: نِقْمَةُ اللَّهِ عَلَى بِشْرٍ الْمِرِّيسِيِّ وَذَوِيِهِ: بَابُ الْإِيمَانِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، قَالَ: ثُمَّ اعْتَرَضَ الْمُعْتَرِضُ-يَعْنِي ابْنَ الثَّلْجِيِّ- أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُقَدَّسَةَ فَذَهَبَ فِي تَأْوِيلِهَا مَذْهَبَ إِمَامِهِ الْمِرِّيسِيِّ فَادَّعَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ وَأَنَّهَا مُسْتَعَارَةٌ مَخْلُوقَةٌ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ شَخْصٌ بِلَا اسْمٍ فَتَسْمِيَتُهُ لَا تَزِيدُ فِي الشَّخْصِ وَلَا تَنْقُصُ يَعْنِي الْخَبِيثُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ مَجْهُولًا كَشَخْصٍ مَجْهُولٍ لَا يُهْتَدَى لِاسْمِهِ وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ حَتَّى خَلَقَ الْخَلْقَ فَابْتَدَعُوا لَهُ أَسْمَاءً مِنْ مَخْلُوقِ كَلَامِهِمْ فَأَعَارُوهُ إِيَّاهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَفَ لَهُ اسْمٌ قَبْلَ الْخَلْقِ، قَالَ: وَمَنِ ادَّعَى التَّأْوِيلَ فِي أَسْمَاءِ الْخَلْقِ، قَالَ: وَمَنِ ادَّعَى التَّأْوِيلَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ فَقَدْ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى إِلَى الْعَجْزِ وَالْوَهْنِ وَالضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُحْتَاجٌ مُضْطَرٌّ وَالْمُعِيرَ أَبَدًا أَعْلَى مِنْهُ وَأَغْنَى فَفِي هَذِهِ الدَّعْوَى اسْتِجْهَالُ الْخَالِقِ إِذْ كَانَ بِزَعْمِهِ هَمَلًا لَا يُدْرَى مَا اسْمُهُ وَاللَّهُ الْمُتَعَالِي عَنْ هَذَا الْوَصْفِ الْمُنَزَّهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ تَحْقِيقُ صِفَاتِهِ سَوَاءٌ عَلَيْكَ قَلْتَ: عَبَدْتُ اللَّهَ أَوْ عَبَدْتُ الرَّحْمَنَ أَوِ الرَّحِيمَ أَوِ الْمَلِكَ الْعَزِيزَ الْحَكِيمَ وَسَوَاءٌ عَلَى الرَّجُلِ قَالَ: كَفَرْتُ بِاللَّهِ أَوْ قَالَ كَفَرْتُ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوْ بِالْخَالِقِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَسَوَاءٌ عَلَيْكَ قُلْتَ: عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَوْ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَوْ عَبْدُ الْمَجِيدِ وَسَوَاءٌ عَلَيْكَ قَلْتَ: يَا اللَّهُ أَوْ يَا رَحْمَنُ أَوْ يَا رَحِيمُ أَوْ يَا مَالِكُ يَا عَزِيزُ يَا جَبَّارُ بِأَيِّ اسْمٍ دَعَوْتَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَوْ أَضَفْتَهُ إِلَيْهِ فَإِنَّمَا تَدْعُو اللَّهَ نَفْسَهُ مَنْ شَكَّ فِيهِ فَقَدْ كَفَرَ وَسَوَاءٌ عَلَيْكَ قَلْتَ رَبِّيَ اللَّهُ أَوْ رَبِّيَ الرَّحْمَنُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الصف: 18]
، وَقَالَ تَعَالَى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الصَّفِّ: 1]
، وَقَالَ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الْأَحْزَابِ: 42]
، كَذَلِكَ قَالَ فِي الِاسْمِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} وَلَوْ كَانَ الِاسْمُ مَخْلُوقًا مُسْتَعَارًا غَيْرَ اللَّهِ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُسَبِّحَ مَخْلُوقٌ غَيْرَهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْحَشْرِ: 24]
، ثُمَّ ذَكَرَ الْآلِهَةَ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَسْمَائِهَا الْمَخْلُوقَةِ الْمُسْتَعَارَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [النَّجْمِ: 23]
، وَكَذَلِكَ قَالَ هُودٌ لِقَوْمِهِ حِينَ قَالُوا: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [الْأَعْرَافِ: 70]
، فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: {أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [الْأَعْرَافِ: 71]
، يَعْنِي أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَزَلْ كَمَا لَمْ يَزَلْ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهَا بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَخْلُوقَةِ الَّتِي أَعَارُوهَا الْأَصْنَامَ وَالْآلِهَةَ الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَسْمَاءُ اللَّهِ بِخِلَافِهَا، فَأَيُّ تَوْبِيخٍ لِأَسْمَاءِ هَذِهِ الْآلِهَةِ الْمَخْلُوقَةِ إِذْ كَانَتْ أَسْمَاؤُهَا وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةً مُسْتَعَارَةً عِنْدَكُمْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَكُلُّهَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْعِبَادِ وَتَسْمِيَةِ آبَائِهِمْ بِزَعْمِهِمْ.
فَفِي دَعْوَى هَذَا الْمُعَارِضِ أَنَّ الْخَلْقَ عَرَّفُوا اللَّهَ إِلَى عِبَادِهِ بِأَسْمَاءٍ ابْتَدَعُوهَا لَا أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُمْ بِهَا نَفْسَهُ فَأَيُّ تَأْوِيلٍ أَوْحَشَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَتَأَوَّلَ رَجُلٌ أَنَّهُ كَانَ كَشَخْصٍ مَجْهُولٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ لَمْ يَسْبِقْ لِشَيْءٍ مِنْهَا اسْمٌ وَلَمْ يُعْرَفْ مَا هُوَ حَتَّى عَرَّفَهُ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا تُقَاسُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَاءِ الْخَلْقِ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْخَلْقِ مَخْلُوقَةٌ مُسْتَعَارَةٌ وَلَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ نَفْسَ صِفَاتِهِمْ بَلْ مُخَالِفَةٌ لِصِفَاتِهِمْ، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَاتُهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مُخَالِفًا لِصِفَاتِهِ وَلَا شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مُخَالِفًا لِأَسْمَائِهِ فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ أَوْ مُسْتَعَارَةٌ فَقَدْ كَفَرَ وَفَجَرَ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: اللَّهُ فَهُوَ اللَّهُ وَإِذَا قُلْتُ: الرَّحْمَنُ فَهُوَ الرَّحْمَنُ وَهُوَ اللَّهُ فَإِذَا قُلْتَ: الرَّحِيمُ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِذَا قُلْتَ: حَكِيمٌ عَلِيمٌ حَمِيدٌ مَجِيدٌ جَبَّارٌ مُتَكَبِّرٌ قَاهِرٌ قَادِرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ اللَّهُ سَوَاءٌ لَا يُخَالِفُ اسْمٌ لَهُ صِفَتَهُ وَلَا صِفَتُهُ اسْمًا وَقَدْ يُسَمَّى الرَّجُلُ حَكِيمًا وَهُوَ جَاهِلٌ وَحَكَمًا وَهُوَ ظَالِمٌ وَعَزِيزًا وَهُوَ حَقِيرٌ وَكَرِيمًا وَهُوَ لَئِيمٌ وَصَالِحًا وَهُوَ طَالِحٌ وَسَعِيدًا وَهُوَ شَقِيٌّ وَمَحْمُودًا وَهُوَ مَذْمُومٌ وَحَبِيبًا وَهُوَ بَغِيضٌ وَأَسَدًا وَحِمَارًا وَكَلْبًا وَجَدْيًا وَكُلَيْبًا وَهِرًّا وَحَنْظَلَةَ وَعَلْقَمَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ اسْمُهُ كُلُّ أَسْمَائِهِ سَوَاءٌ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَلَا يَزَالُ لَمْ تَحْدُثْ لَهُ صِفَةٌ وَلَا اسْمٌ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ خَالِقًا قَبْلَ الْمَخْلُوقِينَ وَرَازِقًا قَبْلَ الْمَرْزُوقِينَ وَعَالِمًا قَبْلَ الْمَعْلُومِينَ وَسَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ أَصْوَاتَ الْمَخْلُوقِينَ وَبَصِيرًا قَبْلَ أَنْ يَرَى أَعْيَانَهُمْ مَخْلُوقَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]
، وَقَالَ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السَّجْدَةِ: 4]
، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الْفُرْقَانِ: 59]
، لِأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَى الْمُعَارِضُ-يَعْنِي ابْنَ الثَّلْجِيِّ وَإِمَامَهُ الْمِرِّيسِيَّ- لَكَانَ الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ اسْتَوَيَا جَمِيعًا عَلَى الْعَرْشِ إِذْ كَانَتْ أَسْمَاؤُهُ مَخْلُوقَةً عِنْدَهُمْ إِذْ كَانَ اللَّهُ فِي دَعْوَاهُمْ فِي حَدِّ الْمَجْهُولِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي حَدِّ الْمَعْرُوفِ لِأَنَّ لِحُدُوثِ الْخَلْقِ حَدًّا وَوَقْتًا وَلَيْسَ لِأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى حَدٌّ وَلَا وَقْتٌ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ.
ثُمَّ احْتَجَّ الْمُعَارِضُ لِتَرْوِيجِ مَذْهَبِهِ هَذَا بِأَقْبَحِ قِيَاسٍ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَتَبْتُ اسْمًا فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ احْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ أَلَيْسَ إِنَّمَا تُحْرَقُ الرُّقْعَةُ وَلَا يَضُرُّ الِاسْمُ شَيْئًا فَيُقَالُ لِهَذَا التَّائِهِ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ: إِنَّ الرُّقْعَةَ وَكِتَابَةَ الِاسْمِ لَيْسَ كَنَفْسِ الِاسْمِ إِذَا احْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ احْتَرَقَ الْخَطُّ وَبَقِيَ اسْمُ اللَّهِ لَهُ وَعَلَى لِسَانِ الْكَاتِبِ لَمْ يَزَلْ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ لَمْ تَنْقُصِ النَّارُ مِنْ الِاسْمِ وَلَا مِمَّنْ لَهُ الِاسْمُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَسْمَاءُ الْمَخْلُوقِينَ لَمْ تَنْقُصِ النَّارُ مِنْ أَسْمَائِهِمْ وَلَا مِنْ أَجْسَامِهِمْ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبْتَ اللَّهَ بِهِجَائِهِ فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ أَحْرَقْتَ الرُّقْعَةَ لَاحْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ وَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِكَمَالِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ صُوِّرَ رَجُلٌ فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ أُلْقِيَتْ فِي النَّارِ لَاحْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ وَلَمْ يُضَرَّ الْمُصَوَّرُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ لَوِ احْتَرَقَتِ الْمَصَاحِفُ كُلُّهَا لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الْقُرْآنِ نَفْسِهِ حَرْفٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ لَوِ احْتَرَقَ الْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ أَوْ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَبَقِيَ الْقُرْآنُ بِكَمَالِهِ كَمَا كَانَ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مِنْهُ بَدَا وَإِلَيْهِ يَعُودُ عِنْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ بِكَمَالِهِ غَيْرَ مَنْقُوصٍ، وَقَدْ كَانَ لِلْمِرِّيسِيُّ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ مَذْهَبٌ كَمَذْهَبِهِ فِي الْقُرْآنِ كَانَ الْقُرْآنُ عِنْدَهُ مَخْلُوقًا مِنْ قَوْلِ الْبَشَرِ لَمْ يَتَكَلَّمِ اللَّهُ بِحَرْفٍ مِنْهُ فِي دَعْوَاهُ، وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ مِنَ ابْتِدَاعِ الْبَشَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ تَعَالَى: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الْقَصَصِ: 30]
، بِزَعْمِهِ قَطُّ وَزَعَمَ أني متى اعترف بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِـ {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} لَزِمَنِي أَنْ أَقُولَ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ وَلَوِ اعْتَرَفْنَا بِذَلِكَ لَانْكَسَرَ عَلَيْنَا مَذْهَبُنَا فِي الْقُرْآنِ، وقد كسره الله عَلَيْهِمْ عَلَى رَغْمِ أُنُوفِهِمْ فَقَالَ: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وَلَا يَسْتَحِقُّ مَخْلُوقٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَذَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ كَافِرًا كَفِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النَّازِعَاتِ: 24]
، فَهَذَا الَّذِي ادَّعَوْا فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أُصُولِ الْجَهْمِيَّةِ الَّتِي بَنَوْا عَلَيْهَا مِحْنَتَهُمْ وَأَسَّسُوا بِهَا ضَلَالَتَهُمْ غَالَطُوا بِهَا الْأَغْمَارَ وَالسُّفَهَاءَ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُغَالِطُونَ بِهَا الْفُقَهَاءَ وَلَئِنْ كَانَ السُّفَهَاءُ وَقَعُوا فِي غَلَطِ مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مِنْهُمْ لَعَلَى يَقِينٍ.
أَرَأَيْتُمْ قَوْلَكُمْ: إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ، فَمَنْ خَلَقَهَا وَكَيْفَ خَلَقَهَا؟ أَجَعَلَهَا أَجْسَامًا وَصُوَرًا تَشْغَلُ أَعْيَانُهَا أَمْكِنَةً دُونَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ أَمْ مَوْضِعًا دُونَهُ فِي الْهَوَاءِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: لَهَا أَجْسَامٌ دُونَهُ فَهَذَا مَا تَنْقِمُهُ عُقُولُ الْعُقَلَاءِ، وَإِنْ قُلْتُمْ: خَلَقَهَا فِي أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ فَدَعَوْهُ بِهَا وَأَعَارُوهَا إِيَّاهُ، فَهُوَ مِمَّا ادَّعَيْنَا عَلَيْكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ بِزَعْمِكُمْ مَجْهُولًا لَا اسْمَ لَهُ حَتَّى أَحْدَثَ الْخَلْقَ فَأَحْدَثُوا لَهُ أَسْمَاءً مِنْ مَخْلُوقِ كَلَامِهِمْ، فَهَذَا هُوَ الْإِلْحَادُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَالتَّكْذِيبُ بِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الْفَاتِحَةِ: 2-4]
، كَمَا يُضِيفُهُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَيْتُمْ لَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْمُسَمَّى الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ وَكَمَا قَالَ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [آلِ عِمْرَانَ: 2-3]
، كَمَا قَالَ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ} [غافر: 2]
، كَذَلِكَ قَالَ: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النَّمْلِ: 6]
، كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَكُلُّهَا هِيَ اللَّهُ، وَاللَّهُ هُوَ أَحَدُ أَسْمَائِهِ-إِلَى أَنْ قَالَ- وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} كَذَلِكَ قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا الرَّحْمَنُ» ثُمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ» فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالِيَ: «أَنَا شَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي» وَادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ مُكَذِّبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَنَّهُمْ أَعَارُوهُ الِاسْمَ الَّذِي شَقَّهَا مِنْهُ.
وَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ الْخَلْقُ أَسْمَاءَ الْخَالِقِ قَبْلَ تَعْلِيمِهِ إِيَّاهُمْ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ آدَمُ وَلَا الْمَلَائِكَةُ أَسْمَاءَ الْمَخْلُوقِينَ حَتَّى عَلَّمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عِنْدِهِ وَكَانَ بَدْءُ عِلْمِهَا مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 31-33]
، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا وَمَنْ أَحْصَاهَا وَحَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَسَاقَ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى كَمَا قَدَّمْنَا ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ كُلُّهَا أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَزَلْ لَهُ كَمَا لَمْ يَزَلْ بِأَيِّهَا دَعَوْتَ فَإِنَّمَا تَدْعُو اللَّهَ نَفْسَهُ.
قَالَ: وَلَنْ يَدْخُلَ الْإِيمَانُ قَلْبَ رَجُلٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ إِلَهًا وَاحِدًا بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَجَمِيعِ صِفَاتِهِ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا لَمْ تَزَلْ وَحْدَانِيَّتُهُ.
انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
٣
☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️☄️
٤
٤
معنى قوله صلى الله عليه وسلم «من احصاها»
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْصَاهَا» فَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: مَعْنَاهُ حَفِظَهَا وَأَنَّ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُخْرَى.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: أَحَدُهَا أَنْ يَعُدَّهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِهَا فَيَدْعُوَ اللَّهَ بِهَا كُلِّهَا وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِهَا فَيَسْتَوْجِبَ الْمَوْعُودُ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ، وَثَانِيهَا الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ الْإِطَاقَةُ وَالْمَعْنَى مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ مَعَانِيَهَا فَيُلْزِمَ نَفْسَهُ بِمَوَاجِبِهَا فَإِذَا قَالَ:
(الرَّزَّاقُ) وَثِقَ بِالرِّزْقِ وَكَذَا سَائِرُ الْأَسْمَاءِ، ثَالِثُهَا الْمُرَادُ بِهَا الْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ مَعَانِيهَا وَقِيلَ: أَحْصَاهَا عَمِلَ بِهَا فَإِذَا قَالَ:
(الْحَكِيمُ) سَلَّمَ لِجَمِيعِ أَوَامِرِهِ وَأَقْدَارِهِ وَأَنَّهَا جَمِيعُهَا عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، وَإِذَا قَالَ:
(الْقُدُّوسُ) اسْتَحْضَرَ كَوْنَهُ مُقَدَّسًا مُنَزَّهًا عن جميع النقائص وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: طَرِيقُ الْعَمَلِ بِهَا أَنَّ مَا كَانَ يُسَوِّغُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ كَالرَّحِيمِ وَالْكَرِيمِ فَيُمَرِّنُ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَصِحَّ لَهُ الِاتِّصَافُ بِهَا-يَعْنِي فِيمَا يَقُومُ بِهِ- وَمَا كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ نَفْسَهُ كَالْجَبَّارِ وَالْعَظِيمِ فَعَلَى الْعَبْدِ الْإِقْرَارُ بِهَا وَالْخُضُوعُ لَهَا وَعَدَمُ التَّحَلِّي بِصِفَةٍ مِنْهَا وَمَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْوَعْدِ يَقِفُ فِيهِ عِنْدَ الطَّمَعِ وَالرَّغْبَةِ وَمَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْوَعِيدِ يَقِفُ مِنْهُ عِنْدَ الْخَشْيَةِ وَالرَّهْبَةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ معنى حفظها وإحصائها هُوَ مَعْرِفَتُهَا وَالْقِيَامُ بِعُبُودِيَّتِهَا كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَنْفَعُ حِفْظُ أَلْفَاظِهِ مَنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ، بَلْ جَاءَ فِي الْمُرَّاقِ مِنَ الدِّينِ أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ كَلَامٍ طويل على أولية اللَّهِ تَعَالَى وَمَا فِي ذَلِكَ الشُّهُودِ مِنَ الْغِنَى التَّامِّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مُخْتَصًّا بِأَوَّلِيَّتِهِ تَعَالَى فَقَطْ بَلْ جَمِيعُ مَا يَبْدُو لِلْقُلُوبِ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ يَسْتَغْنِي الْعَبْدُ بِهَا بِقَدْرِ حَظِّهِ وَقِسْمِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَقِيَامِهِ بِعُبُودِيَّتِهَا، فَمَنْ شَهِدَ مَشْهَدَ عُلُوِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ وَفَوْقِيَّتِهِ لِعِبَادِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِهَا أَعْرَفُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُهُمْ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ وَتَعَبَّدَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الصِّفَةِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ لِقَلْبِهِ صَمَدٌ يَعْرُجُ إِلَيْهِ مُنَاجِيًا لَهُ مُطْرِقًا وَاقِفًا بَيْنَ يَدَيْهِ وُقُوفَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ، فَيَشْعُرُ بِأَنَّ كَلِمَهُ وَعِلْمَهُ صَاعِدٌ إِلَيْهِ مَعْرُوضٌ عَلَيْهِ مَعَ أَوْفَى خَاصَّتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ فَيَسْتَحِي أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهِ مِنْ كَلِمِهِ مَا يُخْزِيهِ وَيَفْضَحُهُ هُنَاكَ وَيَشْهَدُ نُزُولَ الْأَمْرِ وَالْمَرَاسِيمِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى أَقْطَارِ الْعَوَالِمِ كُلَّ وَقْتٍ بِأَنْوَاعِ التَّدْبِيرِ وَالتَّصَرُّفِ مِنَ الْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ وَكَشْفِ الْبَلَاءِ وَإِرْسَالِهِ وَتَقَلُّبِ الدُّوَلِ وَمُدَاوَلَةِ الْأَيَّامِ بَيْنَ النَّاسِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمَمْلَكَةِ الَّتِي لَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا سِوَاهُ فَمَرَاسِيمُهُ نَافِذَةٌ فِيهَا كَمَا يَشَاءُ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السَّجْدَةِ: 5]
، فَمَنْ أَعْطَى هَذَا الْمَشْهَدَ حَقَّهُ مَعْرِفَةً وَعُبُودِيَّةً اسْتَغْنَى بِهِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ مَشْهَدَ الْعِلْمِ الْمُحِيطِ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ ولا في السموات وَلَا فِي قَرَارِ الْبِحَارِ وَلَا تَحْتَ أَطْبَاقِ الْجِبَالِ بَلْ أَحَاطَ بِذَلِكَ عِلْمُهُ عِلْمًا تَفْصِيلِيًّا ثُمَّ تَعَبَّدَ بِمُقْتَضَى هَذَا الشُّهُودِ مِنْ حراسة خواطره وإراداته وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَعَزَمَاتِهِ وَجَوَارِحِهِ عَلِمَ أَنَّ حَرَكَاتِهِ الظَّاهِرَةَ والباطنة وخواطره وإراداته وَجَمِيعُ أَحْوَالِهِ ظَاهِرَةٌ مَكْشُوفَةٌ لَدَيْهِ عَلَانِيَةً بَادِيَةٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ.
وَكَذَلِكَ إِذَا أَشْعَرَ قَلْبَهُ صِفَةَ سَمْعِهِ سُبْحَانَهُ لِأَصْوَاتِ عِبَادِهِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَجَهْرِهَا وَخَفَائِهَا وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ لا يشغله حهر مَنْ جَهَرَ عَنْ سَمْعِهِ صَوْتَ مَنْ أَسَرَّ وَلَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ وَلَا تُغَلِّطُهُ الْأَصْوَاتُ عَلَى كَثْرَتِهَا واختلافها واجتماعها بل هي عِنْدَهُ كُلُّهَا كَصَوْتٍ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّ خَلْقَ الْخَلْقِ جَمِيعِهِمْ وَبَعْثَهُمْ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ.
وَكَذَلِكَ إِذَا شَهِدَ مَعْنَى اسْمِهِ الْبَصِيرِ جَلَّ جَلَالُهُ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فِي حِنْدِسِ الظَّلْمَاءِ وَيَرَى تَفَاصِيلَ خَلْقِ الذَّرَّةِ الصَّغِيرَةِ وَمُخَّهَا وَعُرُوقَهَا وَلَحْمَهَا وَحَرَكَتِهَا وَيَرَى مَدَّ الْبَعُوضَةِ جَنَاحَهَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَأَعْطَى هَذَا الْمَشْهَدَ حَقَّهُ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ بِحَرْسِ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهَا بِمَرْأًى مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَمُشَاهَدَةٍ لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْهَا شَيْءٌ.
وَكَذَلِكَ إِذَا شَهِدَ مَشْهَدَ الْقَيُّومِيَّةِ الْجَامِعَ لِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَأَنَّهُ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَقَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.
وَأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ الْقَائِمُ عَلَيْهِ بِتَدْبِيرِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَقَهْرِهِ وَإِيصَالِ جَزَاءِ الْمُحْسِنِ وَجَزَاءِ الْمُسِيءِ إليه وأنه بكمال قَيُّومِيَّتِهِ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ وَلَا يَضِلُّ وَلَا يَنْسَى.
وَهَذَا الْمَشْهَدُ مِنْ أَرْفَعِ مَشَاهِدِ الْعَارِفِينَ وَهُوَ مَشْهَدُ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَعْلَى مِنْهُ مَشْهَدُ الْإِلَهِيَّةِ الَّذِي هُوَ مَشْهَدُ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمُ الْحُنَفَاءِ وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ إِلَهِيَّةَ مَا سِوَاهُ بَاطِلٌ وَمُحَالٌ كَمَا أَنَّ رُبُوبِيَّةَ مَا سِوَاهُ كَذَلِكَ فَلَا أحد سواه يسحق أَنْ يُؤَلَّهَ وَيُعْبَدَ وَيُصَلَّى لَهُ وَيُسْجَدَ وَيَسْتَحِقَّ نِهَايَةَ الْحُبِّ مَعَ نِهَايَةِ الذُّلِّ لِكَمَالِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
فَهُوَ الْمُطَاعُ وَحْدَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَأْلُوهُ وَحْدَهُ وَلَهُ الْحُكْمُ فَكُلُّ عُبُودِيَّةٍ لِغَيْرِهِ بَاطِلَةٌ وَعَنَاءٌ وَضَلَالٌ وَكُلُّ مَحَبَّةٍ لِغَيْرِهِ عَذَابٌ لِصَاحِبِهَا وَكُلُّ غِنًى بِغَيْرِهِ فَقْرٌ وَفَاقَةٌ، وَكُلُّ عِزٍّ بِغَيْرِهِ ذُلٌّ وَصَغَارٌ وَكُلُّ تَكَثُّرٍ بِغَيْرِهِ قِلَّةٌ وَذِلَّةٌ، فَكَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ لِلْخَلْقِ رَبٌّ غَيْرُهُ فَكَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُهُ، فَهُوَ الَّذِي انْتَهَتْ إِلَيْهِ الرَّغَبَاتُ وَتَوَجَّهَتْ نَحْوَهُ الطَّلَبَاتُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ آخَرُ فَإِنَّ الْإِلَهَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْغَنِيُّ الصَّمَدُ الْكَامِلُ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّذِي حَاجَةُ كُلِّ أَحَدٍ إِلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى أَحَدٍ وَقِيَامُ كُلِّ شَيْءٍ بِهِ وَلَيْسَ قِيَامُهُ بِغَيْرِهِ-إِلَى أَنْ قَالَ- فَمَشْهَدُ الْأُلُوهِيَّةِ هُوَ مَشْهَدُ الْحُنَفَاءِ وَهُوَ مَشْهَدٌ جَامِعٌ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَحَظُّ الْعِبَادِ مِنْهُ بِحَسَبِ حَظِّهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الِاسْمُ الدَّالُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى هُوَ اسْمَ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فَإِنَّ هَذَا الِاسْمَ هُوَ الْجَامِعُ وَلِهَذَا تُضَافُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى كُلُّهَا إِلَيْهِ فَيُقَالُ: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ الْقَهَّارُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَلَا يُقَالُ: اللَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فَهَذَا الْمَشْهَدُ تَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَشَاهِدُ كُلُّهَا وَكُلُّ مَشْهَدٍ سِوَاهُ فَإِنَّمَا هُوَ مَشْهَدٌ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فَمَنِ اتَّسَعَ قَلْبُهُ لِمَشْهَدِ الْإِلَهِيَّةِ وَقَامَ بِحَقِّهِ مِنَ التَّعَبُّدِ الَّذِي هُوَ كَمَالُ الْحُبِّ مَعَ كَمَالِ الذُّلِّ وَالتَّعْظِيمِ وَالْقِيَامِ بِوَظَائِفِ الْعُبُودِيَّةِ فَقَدْ تَمَّ لَهُ غِنَاهُ بِالْإِلَهِ الْحَقِّ وَصَارَ مِنْ أَغْنَى الْعِبَادِ وَلِسَانٌ مِثْلُ هَذَا يَقُولُ:
غَنِيتُ بِلَا مَالٍ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمْ
*
وَإِنَّ الْغِنَى الْعَالِيَ عَنِ الشَّيْءِ لَا بِهِ
٤
٥
٥
تفسير قوله تعالى {وذروا الذين يلحدون في اسمايه}
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الْأَعْرَافِ: 180]
قَالَ ابْنُ عباس وابن جريح وَمُجَاهِدٌ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ عَدَلُوا بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فَسَمَّوْا بِهَا أَوْثَانَهُمْ فَزَادُوا وَنَقَصُوا، فَاشْتَقُّوا اللَّاتَ مِنَ اللَّهِ وَالْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ وَمَنَاةَ مِنَ الْمَنَّانِ.
وَقِيلَ هِيَ تَسْمِيَتُهُمُ الْأَصْنَامَ آلِهَةً، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ أَيْ: يُكَذِّبُونَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ يُلْحِدُونَ يُشْرِكُونَ فِي أَسْمَائِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْإِلْحَادُ التَّكْذِيبُ، وَأَصْلُ الْإِلْحَادِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْعُدُولُ عَنِ الْقَصْدِ وَالْمَيْلُ وَالْجَوْرُ وَالِانْحِرَافُ وَمِنْهُ اللَّحْدُ فِي الْقَبْرِ لِانْحِرَافِهِ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ عَنْ سِمَةِ الْحَفْرِ.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ وَالْإِلْحَادُ يَعُمُّهَا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:الْأَوَّلُ: إِلْحَادُ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمُجَاهِدٌ مِنْ عُدُولِهِمْ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَتِهِمْ أَوْثَانَهُمْ بِهَا مُضَاهَاةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمُشَاقَّةً لَهُ وَلِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثَّانِي: إِلْحَادُ الْمُشَبِّهَةِ الَّذِينَ يُكَيِّفُونَ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُشَبِّهُونَهَا بِصِفَاتِ خَلْقِهِ مُضَادَّةً لَهُ تَعَالَى وَرَدًّا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} وَهُوَ مُقَابِلٌ لِإِلْحَادِ الْمُشْرِكِينَ فَأُولَئِكَ جَعَلُوا الْمَخْلُوقَ بِمَنْزِلَةِ الْخَالِقِ وَسَوَّوْهُ بِهِ وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا الْخَالِقَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ وَشَبَّهُوهُ بِهَا تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ إِفْكِهِمْ.
الثَّالِثُ: إِلْحَادُ النُفَاةِ وَهُمْ قِسْمَانِ:قِسْمٌ أَثْبَتُوا أَلْفَاظَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى دُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَقَالُوا: رَحْمَنٌ رَحِيمٌ بِلَا رَحْمَةٍ عَلِيمٌ بِلَا عِلْمٍ حَكِيمٌ بِلَا حِكْمَةٍ قَدِيرٌ بِلَا قُدْرَةٍ سَمِيعٌ بِلَا سَمْعٍ بَصِيرٌ بِلَا بَصَرٍ، وَاطَّرَدُوا بَقِيَّةَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى هَكَذَا وَعَطَّلُوهَا عَنْ مَعَانِيهَا وَمَا تَقْتَضِيهِ وَتَتَضَمَّنُهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَنْ بَعْدَهُمْ وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الْأَلْفَاظَ دُونَ الْمَعَانِي تَسَتُّرًا وَهُوَ لَا يَنْفَعُهُمْ.
وَقِسْمٌ لَمْ يَتَسَتَّرُوا بِمَا تَسَتَّرَ بِهِ إِخْوَانُهُمْ بَلْ صَرَّحُوا بِنَفْيِ الْأَسْمَاءِ وَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي وَاسْتَرَاحُوا مِنْ تَكَلُّفِ أُولَئِكَ وَصَفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا اسْمَ لَهُ وَلَا صِفَةَ وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ جَاحِدُونَ لِوُجُودِ ذَاتِهِ تَعَالَى مُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَقْسَامِ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يُكَفِّرُ مُقَابِلَهُ، وَهُمْ كَمَا قَالُوا كُلُّهُمْ كَفَّارٌ بِشَهَادَةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْإِثْبَاتِ، الْوَاقِفِينَ مَعَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
٦
اثبات صفاته العلى التي وصف بها نفسه تعالى ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم
(صِفَاتُهُ الْعُلَى) أَيْ: وَإِثْبَاتُ صِفَاتِهِ الْعُلَى الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ تَعَالَى وَوَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنُعُوتِ الْجَلَالِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَصِفَاتِ الْأَفْعَالِ، مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ أَسْمَاؤُهُ بِالِاشْتِقَاقِ، كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْعُلُوِّ وَغَيْرِهَا، وَمِمَّا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَخْبَرَ بِهَا عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْتَقَّ مِنْهُ اسْمًا كَحُبِّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَرِضَائِهِ عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَرِضَاهُ لَهُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا، وَكَرَاهَتِهِ انْبِعَاثَ الْمُنَافِقِينَ وَسُخْطِهِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ وَإِثْبَاتِ وَجْهِهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَيَدَيْهِ الْمَبْسُوطَتَيْنِ بِالْإِنْفَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِطَرِ السَّلِيمَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ فِي مَحَلِّهِ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَتْنِ فَفِي خَاتِمَةِ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
إِثْبَاتُ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى:
وَأَنَّهُ الرَّبُّ الْجَلِيلُ الْأَكْبَرُ
*
الْخَالِقُ الْبَارِي وَالْمُصَوِّرُ
بَارِي الْبَرَايَا مُنْشِئُ الْخَلَائِقِ
*
مُبْدِعُهُمْ بِلَا مِثَالٍ سَابِقِ
(وَأَنَّهُ الرَّبُّ) أَيْ: وَإِثْبَاتُ رُبُوبِيَّتِهِ بِأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، رَبُّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المغربين، رب السموات وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا، رَبُّ الْعَالَمِينَ رَبُّ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، مَالِكُ الْمُلْكِ فَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ، يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُسْعِدُ مَنْ يَشَاءُ وَيُشْقِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَخْفِضُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَصِلُ مَنْ يَشَاءُ وَيَقْطَعُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا، إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَيُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَأَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَمَاتَ وَأَحْيَا، وَخَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى، وَأَغْنَى وَأَقْنَى وَأَوْجَدَ وَأَفْنَى، يُبْدِي وَيُعِيدُ وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، رَفَعَ سَمْكَ السَّمَاءِ فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، وَبَسَطَ الْأَرْضَ وَدَحَاهَا فِرَاشًا لِعِبَادِهِ وَمِهَادًا، وَنَصَبَ الْجِبَالَ عَلَيْهَا أَوْتَادًا، سَخَّرَ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ، خَالِقُ الْكَوْنِ وَمَا فِيهِ وَجَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا، وَأَسْبَغَ عَلَى عِبَادِهِ نِعَمَهُ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، عَلِمَ وَأَلْهَمَ وَدَبَّرَ فَأَحْكَمَ وَقَضَى فَأَبْرَمَ لَا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مُضَادَّ لِأَمْرِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
(الْجَلِيلُ) أَيِ: الْمُتَّصِفُ بِجَمِيعِ نُعُوتِ الْجَلَالِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ، الْمُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْمُحَالِ، الْمُتَعَالِي عَلَى الْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى وَالْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.
(الأكبر) الذي السموات وَالْأَرْضُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي كَفِّهِ كَخَرْدَلَةٍ فِي كَفِّ آحَادِ عِبَادِهِ، لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَهُوَ أَكْبَرُ كُلِّ شَيْءٍ، شَهَادَةً لَا مُنَازِعَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَلَا يَنْبَغِي الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ إِلَّا لَهُ، وَمَنْ نَازَعَهُ فِي صِفَةٍ مِنْهُمَا أَذَاقَهُ عَذَابَهُ وَأَحَلَّ عَلَيْهِ غَضَبَهُ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبُهُ فَقَدْ هَوَى.
(الْخَالِقُ) أَيِ: الْمُقَدِّرُ وَالْمُقَلِّبُ لِلشَّيْءِ بِالتَّدْبِيرِ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزُّمَرِ: 6]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [الْحَجِّ: 5]
، الْآيَةَ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 12-14]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مَرْيَمَ: 67]
، وَقَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الْأَنْعَامِ: 1]
، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْخَالِقُ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ لَهُ، مَرْبُوبٌ لَهُ، لَا خَالِقَ غيره، فجميع السموات وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُمَا وَحَرَكَاتُ أَهْلِهَا وَسَكَنَاتُهُمْ وَأَرْزَاقُهُمْ وَآجَالُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ كُلُّهَا مَخْلُوقَاتٌ لَهُ مُحْدَثَةٌ كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَهُوَ خَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَمُوجِدُهُ وَمُبْدَئُهُ ومعيده، فمنه مبدأها وَإِلَيْهِ مُنْتَهَاهَا {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشُّورَى: 53]
(الْبَارِئُ) أَيِ: الْمُنْشِئُ لِلْأَعْيَانِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَالْبَرْءُ هُوَ الْفَرْيُ وَهُوَ التَّنْفِيذُ وَإِبْرَازُ مَا قَدَّرَهُ وَقَرَّرَهُ إِلَى الْوُجُودِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَدَّرَ شَيْئًا وَرَتَّبَهُ يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِهِ وَإِيجَادِهِ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قِيلَ:وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي.
أَيْ: أَنْتَ تُنَفِّذُ مَا خَلَقْتَ أَيْ: قَدَّرْتَ بِخِلَافِ غَيْرِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ كُلَّ مَا يُرِيدُ، فَالْخَلْقُ التَّقْدِيرُ، وَالْفَرْيُ التَّنْفِيذُ.
(الْمُصَوِّرُ) الْمُمَثِّلُ لِلْمَخْلُوقَاتِ بِالْعَلَامَاتِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، أَيِ: الَّذِي يُنَفِّذُ مَا يُرِيدُ إِيجَادَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُهَا، يُقَالُ: هَذِهِ صُورَةُ الْأَمْرِ أَوْ مِثَالُهُ، فَأَوَّلًا يَكُونُ خَلْقًا ثُمَّ بَرْءًا ثُمَّ تَصْوِيرًا، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَسْمَاءِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ فِي خَاتِمَتِهَا {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَيِ: الَّذِي إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُ وَالصُّورَةِ الَّتِي يَخْتَارُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الِانْفِطَارِ: 8]
(بَارِي الْبَرَايَا) جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ
(مُنْشِئُ الْخَلَائِقِ) أَيْ: جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ
(مُبْدِعُهُمْ) أَيْ: خَالِقُهُمْ وَمُنْشِئُهُمْ وَمُحْدِثُهُمْ، يُفَسِّرُ ذَلِكَ
(بِلَا مِثَالٍ سَابِقِ) أَيْ: بِلَا نَظِيرٍ سَالِفٍ وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْبِدْعَةُ بِدْعَةً؛ لِأَنَّهَا عَلَى غير مثال سبق فِي الشَّرْعِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الْبَقَرَةِ: 117]
، أَيْ: مُحْدِثُهَا وَمُوجِدُهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ.
وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِلْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
٧
الاول بلا ابتداء والاخر بلا انتهاء
الْأَوَّلُ الْمُبْدِي بِلَا ابْتِدَاءِ
*
وَالْآخِرُ الْبَاقِي بِلَا انْتِهَاءِ
(الْأَوَّلُ) فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ
(الْمُبْدِئُ) الَّذِي يُبْدِئُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
(بِلَا ابْتِدَاءِ) لِأَوَّلِيَّتِهِ تَعَالَى
(وَالْآخِرُ) فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ
(الْبَاقِي) وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَانٍ
(بِلَا انْتِهَاءِ) لِآخِرِيَّتِهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الْحَدِيدِ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [يُونُسَ: 34]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْعَنْكَبُوتِ: 19-20]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 88]
، وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُوالْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 26-27]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غَافِرٍ: 16]
، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم رب السموات السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضى الله عنهما قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا.
مَرَّتَيْنِ.
ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» قَالُوا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالُوا: جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شيء وخلق السموات وَالْأَرْضَ» الْحَدِيثَ.
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مُنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مُنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّهُ تعالى يطوي السموات بِيَدِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ».
وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ: «أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا قَبَضَ أَرْوَاحَ جَمِيعِ خلقه فلم يبقى سِوَاهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ حِينَئِذٍ يَقُولُ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ-ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- ثُمَّ يُجِيبُ نَفْسَهُ قَائِلًا: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ» أَيِ: الَّذِي هُوَ وَحْدَهُ قَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ وَغَلَبَهُ.
وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ فَيَسْمَعُهُ الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، قَالَ: وَيَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَيَقُولُ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ».
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ: هِيَ أَرْكَانُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَحَقِيقٌ بِالْعَبْدِ أَنْ يَبْلُغَ فِي مَعْرِفَتِهَا إِلَى حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ قُوَاهُ وَفَهْمُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَكَ أَنْتَ أَوَّلًا وَآخِرًا وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا بَلْ كُلُّ شَيْءٍ فَلَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ وَظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، حَتَّى الْخَطْرَةُ وَاللَّحْظَةُ وَالنَّفَسُ وَأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ، فَأَوَّلِيَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَابِقَةٌ عَلَى أَوَّلِيَّةِ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَآخِرِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بَعْدَ آخِرِيَّةِ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَأَوَّلِيَّتُهُ سَبْقُهُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَآخِرِيَّتُهُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَظَاهِرِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ فَوْقِيَّتُهُ وَعُلُوُّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَمَعْنَى الظُّهُورِ يَقْتَضِي الْعُلُوَّ، وَظَاهِرُ الشَّيْءِ هُوَ مَا عَلَا مِنْهُ وَأَحَاطَ بِبَاطِنِهِ، وَبُطُونِهِ سُبْحَانَهُ إِحَاطَتُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بِحَيْثُ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا قُرْبٌ غَيْرُ قُرْبِ الْمُحِبِّ مِنْ حَبِيبِهِ، هَذَا لَوْنٌ وَهَذَا لَوْنٌ، فَمَدَارُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الْإِحَاطَةِ وَهِيَ إِحَاطَتَانِ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ، فَإِحَاطَةُ أَوَّلِيَّتِهِ وَآخِرِيَّتِهِ بِالْقَبْلِ وَالْبَعْدِ، فَكُلُّ سَابِقٍ انْتَهَى إِلَى أَوَّلِيَّتِهِ وَكُلُّ آخِرٍ انْتَهَى إِلَى آخِرِيَّتِهِ، فَأَحَاطَتْ أَوَّلِيَّتُهُ وَآخِرِيَّتُهُ بِالْأَوَائِلِ وَالْأَوَاخِرِ، وَأَحَاطَتْ ظَاهِرِيَّتُهُ وَبَاطِنِيَّتُهُ بِكُلِّ ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ، فَمَا مِنْ ظَاهِرٍ إِلَّا وَاللَّهُ فَوْقَهُ وَمَا مِنْ بَاطِنٍ إِلَّا وَاللَّهُ دُونَهُ، وَمَا مِنْ أَوَّلٍ إِلَّا وَاللَّهُ قَبْلَهُ وَمَا مِنْ آخِرٍ إِلَّا وَاللَّهُ بَعْدَهُ، فَالْأَوَّلُ قِدَمُهُ وَالْآخِرُ دَوَامُهُ وَبَقَاؤُهُ، وَالظَّاهِرُ عُلُوُّهُ وَعَظَمَتُهُ وَالْبَاطِنُ قُرْبُهُ وَدُنُوُّهُ، فَسَبَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِأَوَّلِيَّتِهِ وَبَقِيَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ بِآخِرِيَّتِهِ وَعَلَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِظُهُورِهِ وَدَنَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِبُطُونِهِ، فَلَا تُوَارِي مِنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً وَلَا أَرْضٌ أَرْضًا، وَلَا يَحْجُبُ عَنْهُ ظَاهِرٌ بَاطِنًا بَلِ الْبَاطِنُ لَهُ ظَاهِرٌ وَالْغَيْبُ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَالْبَعِيدُ مِنْهُ قَرِيبٌ وَالسِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ الْأَرْبَعَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانِ التَّوْحِيدِ فَهُوَ الْأَوَّلُ فِي آخِرِيَّتِهِ وَالْآخِرُ فِي أَوَّلِيَّتِهِ وَالظَّاهِرُ فِي بُطُونِهِ وَالْبَاطِنُ فِي ظُهُورِهِ لَمْ يَزَلْ أَوَّلًا وَآخِرًا وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ عَلَى التَّعَبُّدِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَشَفَى وَكَفَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنْ قَدْ أَحَاطَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى تَفْسِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَخْصَرِهَا فَسُبْحَانَ مَنْ خَصَّهُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٨
الاحد الفرد في الهيته وربوبيته واسمايه وصفاته
الْأَحَدُ الْفَرْدُ الْقَدِيرُ الْأَزَلِي
*
الصَّمَدُ الْبَرُّ الْمُهَيْمِنُ الْعَلِي
عُلُوَّ قَهْرٍ وَعُلُوَّ الشَّأْنِ
*
جَلَّ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْوَانِ
كَذَا لَهُ الْعُلُوُّ وَالْفَوْقِيَّهْ
*
عَلَى عِبَادِهِ بِلَا كَيْفِيَّهْ
(الْأَحَدُ الْفَرْدُ) الَّذِي لَا ضِدَّ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ وَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَلَا مُتَصَرِّفَ مَعَهُ فِي ذَرَّةٍ مِنْ مَلَكُوتِهِ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَهُوَ أَحَدٌ فِي إِلَهِيَّتِهِ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلَّا هُوَ وَلِذَا قَضَى أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَهُوَ أَحَدٌ فِي رُبُوبِيَّتِهِ فَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلَا مُضَادَّ وَلَا مُنَازِعَ وَلَا مُغَالِبَ.
أَحَدٌ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ فَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا.
فَكَمَا أَنَّهُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ فِي ذَاتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ فَهُوَ الْمُتَفَرِّدُ فِي مَلَكُوتِهِ بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ مِنَ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِعْزَازِ وَالْإِذْلَالِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ وَالْإِسْعَادِ وَالْإِشْقَاءِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ وَالْوَصْلِ وَالْقَطْعِ وَالضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَلَوِ اجتمع أهل السموات السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَنْ فيهن وما بينهما عَلَى إِمَاتَةِ مَنْ هُوَ مُحْيِيهِ أَوْ إِعْزَازِ مَنْ هُوَ مُذِلُّهُ أَوْ هِدَايَةِ مَنْ هُوَ مُضِلُّهُ أَوْ إِسْعَادِ مَنْ هُوَ مُشْقِيهِ، أَوْ خَفْضِ مَنْ هُوَ رَافِعُهُ أَوْ وَصْلِ مَنْ هُوَ قَاطِعُهُ، أَوْ إِعْطَاءِ مَنْ هُوَ مَانِعُهُ أَوْ ضُرِّ مَنْ هُوَ نَافِعُهُ أَوْ عَكْسِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُمْكِنٍ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ، وَأَنَّى لَهُمْ ذَلِكَ وَالْكُلُّ خَلْقُهُ وَمُلْكُهُ وَعَبِيدُهُ وَفِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَقَهْرِهِ مَاضٍ فِيهِمْ حُكْمُهُ عَدْلٌ فِيهِمْ قَضَاؤُهُ نَافِذَةٌ فِيهِمْ مَشِيئَتُهُ، لَا امْتِنَاعَ لَهُمْ عَمَّا قَضَاهُ وَلَا خُرُوجَ لَهُمْ مِنْ قَبْضَتِهِ، وَلَا تَحَرَّكُ ذرة في السموات وَالْأَرْضِ وَلَا تَسْكُنُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ كَيْفَ جَحَدُوا بِآيَاتِهِ وَأَشْرَكُوا فِي إِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ مَنْ هُوَ مَخْلُوقٌ مَرْبُوبٌ مِثْلُهُمْ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، وَاتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِهِ أَرْبَابًا وَأَنْدَادًا سَوَّوْهُمْ بِهِ وَعَدَلُوهُمْ بِهِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ مُتَصَرِّفُونَ مَعَهُ فِي مَلَكُوتِهِ وَعَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِهِ.
وَهُمْ يَرَوْنَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُحْدَثُونَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا، مَسْبُوقُونَ بِالْعَدَمِ عَاجِزُونَ عَنِ الْقِيَامِ بِأَنْفُسِهِمْ فُقَرَاءُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِهِمْ.
وَأَلْحَدُوا فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَآيَاتِهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي صِنَاعَةِ الْإِلْحَادِ فَبَيْنَ مُشَبِّهٍ لَهُ تَعَالَى بِالْعَدَمِ وَهُمْ نُفَاةُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بَلْ هُمْ نُفَاةُ وُجُودِ ذَاتِهِ، وَبَيْنَ مُشَبِّهٍ لَهُ بِالْمَخْلُوقَاتِ مُمَثِّلٍ صِفَاتِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ الْحَادِثَاتِ الْمُحْدَثَاتِ حَاكِمِينَ عَلَيْهِ بِعُقُولِهِمْ وَاصِفِينَ لَهُ بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ.
وَآخَرُونَ جَحَدُوا إِرَادَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ النَّافِذَةَ وَقُدْرَتَهُ الشَّامِلَةَ وَأَفْعَالَهُ وَحِكْمَتَهُ وَحَمْدَهُ وَجَعَلُوا أَنْفُسَهُمْ هُمُ الْفَاعِلِينَ لِمَا شَاءُوا الْخَالِقِينَ لِمَا أَرَادُوا مِنْ دُونِ مَشِيئَةٍ لِلَّهِ وَلَا إِرَادَةٍ، وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَلَقَهُمْ وَمَا يَعْمَلُونَ، وَآخَرُونَ جَعَلُوا قَضَاءَهُ وَقَدَرَهُ حُجَّةً لَهُمْ عَلَى تَرْكِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَأَنَّهُمْ لَا قُدَرَةَ لَهُمْ وَلَا اخْتِيَارَ، وَأَنَّهُ كَلَّفَهُمْ بِفِعْلِ مَا لَا يُطَاقُ فِعْلُهُ وَتَرْكِ مَا لَا يُطَاقُ تَرْكُهُ، وَجَعَلُوا مَعَاصِيَهُ طَاعَاتٍ إِذْ وَافَقَتْ مَشِيئَتَهُ الْكَوْنِيَّةَ وَقَدَرَهُ الْكَوْنِيَّ فَخَاصَمُوهُ بِمَشِيئَتِهِ وَأَقْدَارِهِ وَعَطَّلُوا أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ وَنَسَبُوهُ إِلَى الظُّلْمِ تَعَالَى، وَأَنَّ تَعْذِيبَهُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَلَمْ يُقِمِ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُؤْتِ الزَّكَاةَ وَلَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْمَلِ الطَّاعَاتِ وَلَمْ يَتْرُكِ الْمَعَاصِيَ كَتَعْذِيبِ الذَّكَرِ لَمْ يَصِرْ أُنْثَى وَالْأُنْثَى لَمْ تَصِرْ ذَكَرًا، وَأَنَّ أَمْرَهُمْ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَأَمْرِ الْآدَمِيِّ بِالطَّيَرَانِ وَالْأَعْمَى بِنَقْطِ الْمَصَاحِفِ، أُولَئِكَ خُصَمَاءُ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَقَدَرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ وَوَحَّدُوهُ بِإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَثْبَتُوا لَهُ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ، وَنَفَوْا عَنْهُ التَّمْثِيلَ وَآمَنُوا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَتَلَقَّوْهُ بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُوجَبُ رُبُوبِيَّتِهِ وَمُقْتَضَى إِلَهِيَّتِهِ وَاللَّائِقُ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ، وَتَلَقَّوْا أَمْرَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ وَالِانْقِيَادِ، وَوَقَفُوا عِنْدَ نَوَاهِيهِ وَحُدُودِهِ فَلَمْ يَعْتَدُوهَا، وَنَزَّلُوا كُلًّا مِنَ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ مَنْزِلَتَهُ وَلَمْ يَنْصِبُوا الْخِصَامَ بَيْنَهُمَا، فَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ يُطَاعُ وَيُمْتَثَلُ.
فَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ مِنْ كَمَالِ التَّوْحِيدِ وَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْقِيَامُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُوجَبُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَيَنْقَادُ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَهُوَ مُكَذِّبٌ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَوْ نَطَقَ بِهِمَا بِلِسَانِهِ.
وَهَذَا الْبَحْثُ سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ عَنْ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا ساقنا إليه ههنا الْكَلَامُ عَلَى كَمَالِ أَحَدِيَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَقَدَرِهِ وَشَرْعِهِ، وَأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لِمَشِيئَتِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا تَصَرُّفَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى مَا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُسَوِّي بِهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيُشْرِكُ مَعَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ أَوْ يَنْسُبُ إِلَيْهِ التَّصَرُّفَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَلَكُوتِهِ، وَكَمْ يُقِيمُ الْحُجَّةَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مَنْ أَشْرَكَ مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ بِأَحَدِيَّتِهِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَإِقْرَارِ الْمُشْرِكِ بِهَا، وَأَنَّ آلِهَتَهُ الَّتِي أَشْرَكَ لَا تَتَّصِفُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَيَلْزَمُهُ إِفْرَادُهُ بِالْأُلُوهِيَّةِ الْمُلَازِمَةِ لِلرُّبُوبِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَرْيَمَ: 65]
، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الرُّومِ: 40]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يُونُسَ: 34-35]
، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
٨
٩
٩
القدير الذي له مطلق القدرة وكمالها وتمامها
(الْقَدِيرُ) الَّذِي لَهُ مُطْلَقُ الْقُدْرَةِ وَكَمَالُهَا وَتَمَامُهَا الَّذِي مَا كَانَ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ الَّذِي مَا خَلْقُ الْخَلْقِ وَلَا بَعْثُهُمْ فِي كَمَالِ قُدْرَتِهِ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ.
الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، الَّذِي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ والأرض ولا يئوده حِفْظُهُمَا أَيْ: لَا يَكْرُثُهُ وَلَا يُثْقِلُهُ، الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ إِذَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النِّسَاءِ: 133]
، وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْبَدْءِ وَالْإِعَادَةِ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الْحَجِّ: 62]
، الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْحَجِّ: 6]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطِرٍ: 44]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لُقْمَانَ: 28]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَحْقَافِ: 33]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15]
، وَقَالَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]
، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطَّلَاقِ: 112]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 81-82]
، وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [تَبَارَكَ: 1]
، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} [الْمَعَارِجِ: 40]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 18]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فُصِّلَتْ: 39]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [الْعَنْكَبُوتِ: 20-22]
، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا بَلْ كُلُّ آيَاتِ اللَّهِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَجَمِيعُ مَخْلُوقَاتِهِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ الشَّامِلَةِ الَّتِي لَا يَخْرُجُ عَنْهَا مِثْقَالُ ذَرَّةٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَعِبَارَةُ الْعَبْدِ تَقْصُرُ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعَظِيمِ، وَكَفَى الْعَبْدَ دَلِيلًا أَنْ يَنْظُرَ فِي خَلْقِ نَفْسِهِ كَيْفَ قَدَّرَهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَخَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وَشَقَّ لَهُ السَّمْعَ فَسَمِعَ وَالْبَصَرَ فَأَبْصَرَ وَاللِّسَانَ فَنَطَقَ وَالْفُؤَادَ فَعَقَلَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكَيْفَ إِذَا سَرَحَ قَلْبُهُ فِي عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ وَنَظَرَ بِعَيْنِ بَصِيرَتِهِ إِلَى مُبْدَعَاتِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَرَأَى الْآيَاتِ الْبَاهِرَةَ وَالْبَرَاهِينَ الظَّاهِرَةَ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الْأَعْرَافِ: 185]
، وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ» الْحَدِيثَ.
٩
١٠
١٠
الازلي بذاته واسمايه وصفاته
(الْأَزَلِي) بِذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّذِي لَا ابْتِدَاءَ لِأَوَّلِيَّتِهِ وَلَا انْتِهَاءَ لِآخِرِيَّتِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مُتَجَدِّدًا حَادِثًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، كَذَلِكَ لَهُ كَمَالُ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ، وَاسْمُ الْخَالِقِ وَلَا مَخْلُوقَ وَهُوَ الْعَلِيمُ قَبْلَ إِيجَادِهِ الْمَعْلُومَاتِ وَالسَّمِيعُ قَبْلَ إِيجَادِهِ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْبَصِيرُ قَبْلَ إِيجَادِهِ الْمُبْصَرَاتِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَزَلِيَّةٌ بِأَزَلِيَّةِ ذَاتِهِ، بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ ذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهَا فِي أَوَّلِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهَا فِي سَرْمَدِيَّتِهِ لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ الْخَالِقِ، وَلَا بِإِحْدَاثِهِ الْبَرِّيَّةَ استفاد اسم البارى، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ الْخَالِقُ قَبْلَ خَلْقِ الْمَخْلُوقِينَ وَالرَّازِقُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَرْزُوقِينَ، وَهُوَ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ قَبْلَ خَلْقِهِ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ وَكَذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ تَبَارَكَ وتعالى فقال: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، {وَكَانَ اللَّهُ لَطِيفًا خَبِيرًا}، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ.
ا.
هـ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وُصِفَ بِصِفَةٍ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَا لِأَنَّ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ كُلَّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ وَفُقْدَانَهَا صِفَةُ نَقْصٍ، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِضِدِّهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْأَزَلِيَّةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي بَدْءِ الْخَلْقِ «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».
١٠
١١
الصمد الذي يصمد اليه الخلايق في حوايجهم
(الصَّمَدُ) قَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي يَصْمُدُ إِلَيْهِ الْخَلَائِقُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمَسَائِلِهِمْ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظْمَتِهِ وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ وَالْعَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، هَذِهِ صِفَتُهُ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ لَيْسَ لَهُ كُفْؤٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ سُبْحَانَ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
وَعَنِ أَبِي وَائِلٍ:
(الصَّمَدُ) الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ، وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَعَنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الصَّمَدُ السَّيِّدُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: الصَّمَدُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَطْعَمْ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيِّ: الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَلَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَيْضًا: الصَّمَدُ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ والطبراني، وكذا أبوجعفر بْنُ جَرِيرٍ سَاقَ أَكْثَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ بَعْدَ إِيرَادِهِ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ الصَّمَدِ: وَكُلُّ هَذِهِ صَحِيحَةٌ وَهِيَ صِفَاتُ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ وَهُوَ الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ هُوَ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ ابن كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} وَالصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سيموت وليس شيء يموت إِلَّا سَيُورَثُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ.
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عَدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ فَقَالُوا: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ السُّورَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حديث أبي سندا.
قُلْتُ: وَهَذِهِ السُّورَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ جَامِعَةٌ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَبَيْنَ التَّنْزِيهِ لَهُ تَعَالَى عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، مُتَضَمِّنَةٌ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِ طَوَائِفِ الْكُفْرِ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمَلَاحِدَةِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَأَهْلِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَمَنْ نَسَبَ لَهُ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ وَغَيْرِهِمْ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١١
١٢
١٢
البر وصفا وفعلا
(الْبَرُّ) وَصْفًا وَفِعْلًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّطِيفُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ.
١٢
١٣
المهيمن على عباده باعمالهم
(الْمُهَيْمِنُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: هُوَ الشَّهِيدُ عَلَى عِبَادِهِ بِأَعْمَالِهِمْ، يُقَالُ: هَيْمَنَ يُهَيْمِنُ فَهُوَ مُهَيْمِنٌ إِذَا كَانَ رَقِيبًا على الشيء كا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الْبُرُوجِ: 9]
، وَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يُونُسَ: 46]
، وَقَالَ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرَّعْدِ: 33]
، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأَمِينُ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الرَّقِيبُ الْحَافِظُ، وقال ابن زَيْدٌ: الْمُصَدِّقُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ: الْقَاضِي.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكُتُبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ.
١٣
١٣
١٤
العلي علو قهر وعلو الشان
(الْعَلِي) فَكُلُّ مَعَانِي الْعُلُوِّ ثَابِتَةٌ لَهُ
(عُلُوَّ قَهْرٍ) فَلَا مُغَالِبَ لَهُ وَلَا مُنَازِعَ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ سُلْطَانِ قَهْرِهِ {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ص: 65]
{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزُّمَرِ: 4]
، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عُلُوِّ الذَّاتِ وَالْقَهْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الْأَنْعَامِ: 18]
، أَيْ: وَهُوَ الَّذِي قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ وَخَضَعَ لِجَلَالِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَذَلَّ لِعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَعَلَا بِذَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
(وَعُلُوَّ الشَّأْنِ) فَتَعَالَى عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ الْمُنَافِيَةِ لِإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى.
تَعَالَى فِي أَحَدِيَّتِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ وَالْوَلِيِّ وَالنَّصِيرِ، وَتَعَالَى فِي عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَبَرُوتِهِ عَنِ الشَّفِيعِ عِنْدَهُ بِدُونِ إِذْنِهِ وَالْمُجِيرِ.
وَتَعَالَى فِي صَمَدِيَّتِهِ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْكُفْؤِ وَالنَّظِيرِ.
وَتَعَالَى فِي كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَنِ الْمَوْتِ وَالسِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالتَّعَبِ وَالْإِعْيَاءِ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ عِلْمِهِ عَنِ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ، وَعَنْ عُزُوبِ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ عَنْ عِلْمِهِ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ عَنِ الْخَلْقِ عَبَثًا وَعَنْ تَرْكِ الْخَلْقِ سُدًى بِلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَلَا بَعْثٍ وَلَا جَزَاءٍ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ عَدْلِهِ عَلَى أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ أَوْ أَنْ يَهْضِمَهُ شَيْئًا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ غِنَاهُ عَنْ أَنْ يُطْعَمَ أَوْ يُرْزَقَ أَوْ أَنْ يَفْتَقِرَ إِلَى غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ، وَتَعَالَى فِي صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ عَنِ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [مُحَمَّدٍ: 19]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [الْأَحْقَافِ: 4]
، وَقَالَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 22]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سَبَأٍ: 22]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الْإِسْرَاءِ: 111]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
(سُورَةُ الْإِخْلَاصِ) وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الْجِنِّ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَرْيَمَ: 65]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الْأَنْبِيَاءِ: 28]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يُونُسَ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الْبَقَرَةِ: 254]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 88]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الْفُرْقَانِ: 58]
، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [الْبَقَرَةِ: 254]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَحْقَافِ: 33]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 17]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى لَمَّا قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 51-52]
، وَقَالَ تَعَالَى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ} [سَبَأٍ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص: 27]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدُّخَانِ: 38-39]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 115]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [الْقِيَامَةِ: 36]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 49]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النِّسَاءِ: 40]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: 112]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الْأَنْعَامِ: 14]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذَّارِيَاتِ: 56-58]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فَاطِرٍ: 15]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 11]
، وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشُّورَى: 11]
وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ مِنَ الْعُلُوِّ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِمَا أَحَدٌ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ وَيَنْتَسِبُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنْهُمْ وَأَخْطَأَ فِي التَّنْزِيهِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُهُ حَيْثُ لَمْ يَسْلُكِ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَةَ إِلَيْهِ، وَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِنَفْسِهِ وَعَقْلِهِ وَمَتْبُوعِهِ، وَأَسَاءَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمُ اغْتَرَّ بِقَوْلٍ كَانَ مَقْصُودُ قَائِلِهِ الزَّيْغَ وَالْفَسَادَ وَالْكُفْرَانَ، فَحَسِبَ-لِإِحْسَانِ الظَّنِّ بِهِ- أَنَّ مَقْصُودَهُ التَّحْقِيقُ وَالْإِيمَانُ وَالْعِرْفَانُ.
وَاتَّبَعُوا السُّبُلَ الْمُضِلَّةَ فَتَفَرَّقَتْ بِهِمْ عَنْ صِرَاطِ الرَّحْمَنِ فَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّهَهُ تَعَالَى عَنْ فَوْقِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ وَوَقَعَ فِي أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَمْ يُنَزِّهْهُ حَتَّى عَنِ الْأَمَاكِنِ الْخَسِيسَةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّهَهُ عَنِ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ وَجَعَلَهُ هُوَ الْوُجُودُ بِأَسْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّهَهُ عَنْ وُجُودِ ذَاتِهِ وَوَصَفَهُ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّهَهُ عَنْ أَفْعَالِهِ وَمَشِيئَتِهِ فِرَارًا مِنْ وَصْفِهِ بِالظُّلْمِ، وَوَقَعَ فِي تَعْطِيلِهِ عَنْ قُدْرَتِهِ وَنِسْبَتِهِ إِلَى الْعَجْزِ، وَغَلَا بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَنْكَرَ عِلْمَهُ السَّابِقَ وَوَصَفَهُ بِضِدِّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ وَإِثْبَاتِهِ وَخَاصَمَ بِهِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فِرَارًا مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَوَقَعَ فِي أَعْظَمِ ذَلِكَ تَعْطِيلُ الشَّرِيعَةِ وَنِسْبَتُهُ تَعَالَى إِلَى الظُّلْمِ وَإِلَى تَكْلِيفِ عِبَادِهِ مَا لَا يُطَاقُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَفَرُّوا مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ وَمِنَ الرُّشْدِ إِلَى الْغَيِّ وَمِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ وَمِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ وَمِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ فَجَعَلُوا إِمَامَهُمْ وَقُدْوَتَهُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَسَارُوا مَعَهُمَا حَيْثُ سَارَا وَوَقَفُوا حَيْثُ وَقَفَا، فَأَثْبَتُوا لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَا، وَآمَنُوا بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَتَلَقَّوْهُ بِالرِّضَا، وَالتَّسْلِيمِ وَانْقَادُوا لِلشَّرِيعَةِ فَقَابَلُوا أَوَامِرَهَا وَنَوَاهِيَهَا بِالِامْتِثَالِ وَالتَّعْظِيمِ، فَمَا أَثْبَتَ اللَّهُ لِنَفْسِهِ أَثْبَتُوهُ، وَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ نَفَوْهُ، فَإِذَا سَمِعُوا آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا قَالُوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَإِنْ أَحْسَنُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَإِنْ أَسَاءُوا قَالُوا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونُنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
١٤
١٥
١٥
له العلو والفوقية بالكتاب والسنة واجماع الملايكة والانبياء والمرسلين واتباعهم
(كَذَا) ثَابِتٌ
(لَهُ الْعُلُوُّ وَالْفَوْقِيَّهْ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
(عَلَى عِبَادِهِ) فَوْقَهُمْ مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ عَالِيًا عَلَى خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ، يَعْلَمُ أَعْمَالَهُمْ وَيَسْمَعُ أَقْوَالَهُمْ وَيَرَى حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، وَالْأَدِلَّةُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى، وَالْفِطَرُ السَّلِيمَةُ وَالْقُلُوبُ الْمُسْتَقِيمَةُ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ لَا تُنْكِرُهُ.
وَلْنُشِرْ إِلَى بَعْضِ ذَلِكَ إِشَارَةً تَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى الدَّالَّةُ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ مَعَانِي الْعُلُوِّ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَاسْمِهِ الْأَعْلَى وَاسْمِهِ الْعَلِيِّ وَاسْمِهِ الْمُتَعَالِي وَاسْمِهِ الظَّاهِرِ وَاسْمِهِ الْقَاهِرِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ تَعَالَى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الْأَعْلَى: 1]
، وَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ»، وَقَالَ تَعَالَى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الْبَقَرَةِ: 254]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النِّسَاءِ: 34]
، وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الْحَجِّ: 62]
، وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سَبَأٍ: 23]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشُّورَى: 51]
، وَقَالَ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرَّعْدِ: 9]
، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الْحَدِيدِ: 3]
، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ: «وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ».
وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الْأَنْعَامِ: 18]
، وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ مَعَانِي الْعُلُوِّ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَاتًا وَقَهْرًا وَشَأْنًا.
١٥
١٦
١٦
استواوه على عرشه
وَمِنْ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الْأَعْرَافِ: 54]
، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} [يُونُسَ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرَّعْدِ: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرَّعْدِ: 2]
، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ طه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]
، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الْفُرْقَانِ: 59]
، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السَّجْدَةِ: 4-5]
، الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الْحَدِيدِ: 4]
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي فَضْلِ الْجُمُعَةِ وَتَسْمِيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِي آخِرِهِ قَالَ: «وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَى فِيهِ رَبُّكَ عَلَى الْعَرْشِ» وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ جَمَعَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِطُولِهِ وَأَلْفَاظِهِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَعَنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلَائِقَ حَاسَبَهُمْ فَيُمَيِّزُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَهُوَ تَعَالَى فِي جَنَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْحَافِظُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَعَنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ»، رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، قَالُوا: ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: «ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ»، قَالُوا: أَصَبْتَ يَا مُحَمَّدُ، لَوْ أَتْمَمْتَ ثُمَّ اسْتَرَاحَ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]
، رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَفِي إِسْنَادِهِ الْبَقَّالُ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ.
قَالَ: «كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عليه» رواه أبوداود وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنَّ لَفْظَهُ «وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ» قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: الْعَمَاءُ أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا قَبْلَ الْمَاءِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ فَسَمَا عَلَيْهِ فَسَمَّاهُ سَمَاءً ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضًا ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ» الْحَدِيثَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: «فَلَمَّا فَرَغَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ» رَوَاهُ السُّدِّيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَوْمَ السَّابِعِ» الْحَدِيثُ بِطُولِهِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ السَّجْدَةِ مِنْ سُنَنِهِ الْكُبْرَى.
وَفِيهِ أَخْضَرُ بْنُ عَجْلَانَ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَيَّنَهُ الْأَزْدِيُّ، وَحَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ مِنْ أَفْرَادِهِ.
١٦
١٧
١٧
تصريح القران بالفوقية لله تعالى
وَمِنْ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِالْفَوْقِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الْأَنْعَامِ: 18]
، وَقَالَ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النَّحْلِ: 50]
، وَلَمَّا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ وَتُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» وَفِي لَفْظٍ «مِنْ فوق سبع سموات».
وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذَا سِيَاقُ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَفْتَخِرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فوق سبع سموات.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَهِدَتِ الْأَنْفُسُ وَضَاعَتِ الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الْأَنْعَامُ فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ أَتُدْرِي مَا تَقُولُ» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عَرَفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ.
ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ عرشه على سمواته لَهَكَذَا» وَقَالَ بِأُصْبُعِهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ» قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ: «إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ وعرشه فوق سمواته» وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
وَلَهُ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: «مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ» قَالُوا: السَّحَابُ، قَالَ: «وَالْمُزْنُ» قَالُوا: وَالْمُزْنُ، قَالَ: «وَالْعَنَانُ» قَالُوا: وَالْعَنَانُ.
-قَالَ: أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ أُتْقِنِ الْعَنَانَ جَيِّدًا- قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟» قَالُوا: لَا نَدْرِي.
قَالَ: «إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ-حَتَّى عد سبع سموات- ثُمَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوَعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ ثُمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ» زَادَ أَحْمَدُ «وَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ».
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ فَإِذَا الرَّبُّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} قَالَ: فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْتَجِبَ عَنْهُمْ وَيَبْقَى نُورُهُ وَبِرْكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ» وَفِي إِسْنَادِهِ الرَّقَاشِيُّ ضَعِيفٌ، وَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ «فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ» قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: هَكَذَا قَالَ:
(فِي دَارِهِ) فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ يُرِيدُ مَوَاضِعَ الشَّفَاعَاتِ الثَّلَاثَ الَّتِي يَسْجُدُ فِيهَا ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ.
وَعَنِ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَدَّثَنِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَارْتِفَاعِي فَوْقَ عَرْشِي مَا مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ وَلَا بَيْتٍ وَلَا رَجُلٍ بِبَادِيَةٍ كَانُوا عَلَى مَا كَرَهْتُ مِنْ مَعْصِيَتِي فَتَحَوَّلُوا عَنْهَا إِلَى مَا أَحْبَبْتُ مِنْ طَاعَتِي إِلَّا تَحَوَّلْتُ لَهُمْ عَمَّا يَكْرَهُونَ مِنْ عَذَابِي إِلَى مَا يُحِبُّونَ مِنْ رَحْمَتِي» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْعَرْشِ وَالْعَسَّالُ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَضَعَّفَهُ الذَّهَبِيُّ.
وَعَنِ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَبِسَ بُرْدَيْنِ فَتَبَخْتَرَ، فَنَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فَمَقَتَهُ، فَأَمَرَ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا» رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ: «كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَرْشِ وَكَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَكَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(إِنَّ الْعَبْدَ لَيَهُمُّ بِالْأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ أَوِ الْإِمَارَةِ حَتَّى يَيْسِرَ لَهُ نَظَرَ اللَّهُ لَهُ مِنْ فوق سبع سموات فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ اصْرِفُوهُ عَنْهُ فَإِنْ يَسَّرْتُهُ لَهُ أَدْخَلْتُهُ النَّارَ) رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ وَسَكَتَ الذَّهَبِيُّ عَنْهُ.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
(الْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ) قَالَ الذَّهَبِيُّ: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي السُّنَّةِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخُ وَأَبُو الْقَاسِمُ اللَّالَكَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو الطَّلَمَنْكِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَوَالِيفِهِمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
شَهِدْتُ بِإِذْنِ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا
*
رَسُولُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ مِنْ
عَلُوَأَنَّ أَخَا الْأَحْقَافِ إِذْ قَامَ فِيهِمُو
*
يَقُولُ بِذَاتِ اللَّهِ فِيهِمْ وَيَعْدِلُوَ
أَنَّ أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلَاهُمَا
*
لَهُ عَمَلٌ مِنْ رَبِّهِ مُتَقَبَّل
١٧
١٨
١٨
التصريح بانه تعالى في السماء
وَمِنْ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الْمُلْكِ: 6-7]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوضٍ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا قَالَ: فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً» قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِرُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الْإِزَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ.
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟» قَالَ: فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: «لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي» فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ قُلُوبَ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ» قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ فَقَالَ: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» وَأَظُنُّهُ قَالَ: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ» وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجُوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بشاة من غنهما، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنْ صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا» فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللَّهُ» قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ: «مَنْ أَنَا» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَصَانِيفِهِمْ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اشْتَكَى مِنْكُمْ شَيْئًا أَوِ اشْتَكَاهُ أَخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ، اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ رَحْمَةً من رحمتك وشفاءا مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ.
فَيَبْرَأَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمِنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَلَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي: «يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا» قَالَ أَبِي: سَبْعَةٌ، سِتَّةً فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ قَالَ: «فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ» قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ.
قال: «يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفاعنك» قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ.
وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا ذَاتَ يَوْمٍ بِفَنَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ مَرَّتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ فِي بَنِي هَاشِمٍ إِلَّا كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ فِي وَسَطِ الزِّبْلِ، فَسَمِعَتْ فَأَبْلَغَتْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَصَعِدَ عَلَى مِنْبَرِهِ وَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَالٍ تَبْلُغُنِي عَنْ أَقْوَامٍ، إِنَّ الله خلق سموات سَبْعًا فَاخْتَارَ الْعُلْيَا فسكنها، وأسكن سمواته مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ ثُمَّ اخْتَارَ خَلْقَهُ فَاخْتَارَ بَنِي آدَمَ، فَاخْتَارَ الْعَرَبَ، فَاخْتَارَ مُضَرَ، فَاخْتَارَ قُرَيْشًا، فَاخْتَارَ بَنِي هَاشِمٍ، فَاخْتَارَنِي، فَلَمْ أَزَلْ خِيَارًا مِنْ خِيَارٍ فَمَنْ أَحَبَّ قُرَيْشًا فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ».
قَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ.
وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ.
فَيَقُولُونَ: ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ تَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ الْمَوْتِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِي مَرَرْتُ بِرَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا كَانَتْ تُمَشِّطُهَا فَوَقَعَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا فَقَالَتْ: بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: أَبِي؟ قَالَتْ: لَا وَلَكِنَّ رَبِّي وَرَبَّ أَبِيكَ اللَّهُ.
فَقَالَتْ: أُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَا بِهَا فَقَالَ: مَنْ رَبُّكِ هَلْ لَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ دَعَا بِهَا وَبِوَلَدِهَا فَأَلْقَاهُمَا فِيهَا» وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ.
وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّارِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ وَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ وَأَنَا وَاحِدٌ فِي الْأَرْضِ أَعْبُدُكَ» رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي النَّقْضِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: حَسَنُ الْإِسْنَادِ.
وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرَائِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ بِالْأَمْرِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ، أَوْ قَالَ رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ، ثُمَّ يَمُرُّ جِبْرِيلُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ مَلَائِكَتُهَا مَاذَا قَالَ رَبُّنَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُ: قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَقُولُونَ كُلُّهُمْ مِثْلَمَا قَالَ جِبْرِيلُ، فَيَنْتَهِي جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَاللَّفْظُ لَهُ.
١٨
١٩
١٩
التصريح باختصاص بعض الاشياء بانها عنده
وَمِنْ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِاخْتِصَاصِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الْأَعْرَافِ: 206]
، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 19]
، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فُصِّلَتْ: 38]
، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 169]
، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} [التَّحْرِيمِ: 11]
، الْآيَةَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي».
وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي مَنْ عِنْدَهُ».
وَفِيهِمَا عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ»، وَلَهُمَا عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا عَزَّ وَجَلَّ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِتَمَامِهِ.
١٩
٢٠
٢٠
الرفع والصعود والعروج اليه
وَمِنْ ذَلِكَ الرَّفْعُ وَالصُّعُودُ وَالْعُرُوجُ إِلَيْهِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ:مِنْهَا رَفْعُهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النِّسَاءِ: 157-158]
، وَقَالَ: تبارك وتعالى {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آلِ عِمْرَانَ: 55]
، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ حَكَمًا عَدْلًا فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ.
وَمِنْهَا صُعُودُ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ تعالى إليه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فَاطِرٍ: 10]
، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ-وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ- فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ تَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتَهْلِيلِهِ يَتَعَاطَفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ يُذْكَرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ.
أَلَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَيْءٌ يُذْكَرُ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا تَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ» قَالَ الذَّهَبِيُّ: غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ».
وَعَنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأحرقت سبحات وجه مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ لَا تُحْصَى فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
وَمِنْهَا صُعُودُ الْأَرْوَاحِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْنِي أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الْأَعْرَافِ: 40]
، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلِ فِي قَبْضِ الرُّوحِ وَفِيهِ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ، قَالَ: فتخرج كما فَتَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذِهِ الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِطُولِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ أَحَادِيثُ جَمَّةٌ سَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِنْهَا عُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ إِلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [الْمَعَارِجِ: 3-4]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي، فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».
وَعَنِهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ.
قَالَ: فَيَحِفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ.
مَا يَقُولُ عِبَادِي، قَالَ يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُحَمِّدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ فَيَقُولُ تَعَالَى: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي، قَالَ يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا لَكَ أَشَدَّ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا، قَالَ يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا، قَالَ يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْهَا، قَالَ يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا، قَالَ يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ.
قَالَ يَقُولُ: مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَأْتِي النَّاسَ عِيَانًا فَأَتَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَطَمَهُ فَذَهَبَ بِعَيْنِهِ، فَعَرَجَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: يَا رَبِّ بَعَثْتَنِي إِلَى مُوسَى فَلَطَمَنِي فَذَهَبَ بِعَيْنِي، وَلَوْلَا كَرَامَتُهُ عَلَيْكَ لَشَقَقْتُ عَلَيْهِ.
قَالَ ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ: فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ وَارَتْ كَفُّهُ سَنَةٌ يَعِيشُهَا فَأَتَاهُ فَبَلَّغَهُ مَا أَمَرَهُ فَقَالَ: ثُمَّ مَاذَا بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: الْمَوْتُ، قَالَ: الْآنَ فَشَمَّهُ شَمَّةً قَبَضَ فِيهَا رُوحَهُ، وَرَدَّ اللَّهُ عَلَى مَلَكِ الْمَوْتِ بَصَرَهُ» وَفِي لَفْظٍ «فَلَطَمَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا فَرَجَعَ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ».
وَفِيهِ: «قَالَ: يَا رَبِّ فَالْآنَ، وَقَالَ: رَبِّ أَدْنِنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، قَالَ: رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لوكنت ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» متفق عليه.
٢٠
٢١
معراج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الى سدرة المنتهى والى حيث شاء الله عز وجل
ومن ذَلِكَ مِعْرَاجُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا ثَبَتَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ: الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بَابُ الْمِعْرَاجِ.
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ فِي الْحَطِيمِ-وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الْحِجْرِ مُضْطَجِعًا- إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدْ قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ.
-فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شَعَرَتِهِ- وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ إِلَى شَعْرَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ فَقَالَ: لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ، فَقَالَ: أَنَسٌ: نَعَمْ يَضَعُ خُطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ.
فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا بِيَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا إِدْرِيسُ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ فَقَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ: مَنْ هَذَا قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مِثْلَهُ فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ وَلَكَنَّى أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَانِي مُنَادٍ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي».
٢١
٢٢
٢٢
التصريح بنزوله تبارك وتعالى
وَمِنْ ذَلِكَ التَّصْرِيحُ بِنُزُولِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثلث الليل الآخر فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» وَقَدْ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا وَقَدْ ثَبَتَ أيضا نزوله تبارك وتعالى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَعِنْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ «حِينَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُنَادِي: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ» وَكَذَا نُزُولُهُ تَعَالَى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ كَمَا يَشَاءُ وَعَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَسْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْمَتْنِ.
وَمِنْ ذَلِكَ تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ، وَنُزُولُ الْأَمْرِ مِنْ عِنْدِهِ وَتَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النَّحْلِ: 2]
، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْهُمْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} [مَرْيَمَ: 64]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السَّجْدَةِ: 5]
، الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطَّلَاقِ: 12]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النِّسَاءِ: 136]
، وَقَالَ تَعَالَى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [آلِ عِمْرَانَ: 3]
، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} [إِبْرَاهِيمَ: 1]
، {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الْأَنْبِيَاءِ: 50]
، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السَّجْدَةِ: 2]
، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزُّمَرِ: 1]
، {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزُّمَرِ: 2]
، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غَافِرٍ: 2]
، {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فُصِّلَتْ: 2]
، {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 42]
، {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الْإِسْرَاءِ: 106]
، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 192]
، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 193]
، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِأَخِيهِ: اعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ».
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الذُّهَيْبَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً» وَفِي الصَّحِيحِ قَالَ الْمُغِيرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ» وَفِيهِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَلَا تُصَدِّقْهُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الْآيَاتِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
٢٢
٢٣
رفع الايدي اليه والابصار
وَمِنْ ذَلِكَ رَفْعُ الْأَيْدِي إِلَيْهِ وَالْأَبْصَارِ كَمَا فِي أَحَادِيثِ الْقُنُوتِ وَأَحَادِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ.
وَحَدِيثِ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّفَرِ الَّذِينَ طَرَحُوا عَلَى ظَهْرِهِ الشَّرِيفِ سَلَا الْجَزُورِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَحَدِيثِ اسْتِغَاثَتِهِ رَبَّهُ بِبَدْرٍ وَمُنَاشَدَتِهِ إِيَّاهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، وَكَذَا فِي أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ وَحُنَيْنٍ وَاسْتِغْفَارِهِ لِرَفِيقِ أَبِي مُوسَى يَوْمَئِذٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكُتُبُ السُّنَّةِ مَمْلُوءَةٌ بِهَذَا النَّوْعِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ حَدِيثٍ فِي وَقَائِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْفِطَرِ، فَكُلُّ مَنْ حَزَبَهُ أَمْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى الْعُلُوِّ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَلِكَ رَفْعُ الْبَصَرِ ثَبَتَ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ بِدُونِ رَفْعِ الْبَصَرِ.
وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا طَرَفَ صَاحِبُ الصُّورِ مَنْ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدًّا يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطِيلُ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ يَقُولُ: «إِلَيْكَ رَفَعْتُ رَأْسِي يَا عَامِرَ السَّمَاءِ نَظَرَ الْعَبِيدِ إِلَى أَرْبَابِهَا يَا سَاكِنَ السَّمَاءِ» قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً قِيَامًا أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ.
قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ، وَيَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ، أَخْرَجَهُ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ، وَيَنْزِلُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ قَالَهُ الذَّهَبِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَفِيهِ أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا.
٢٣
٢٤
٢٤
اشارة النبي صلى الله عليه وسلم الى العلو في خطبته في حجة الوداع باصبعه وبراسه
وَمِنْ ذَلِكَ إِشَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعُلُوِّ فِي خُطْبَتِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بِأُصْبُعِهِ وَبِرَأْسِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِيهِ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تَسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي خُطْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ وَفِيهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» الْحَدِيثَ.
٢٤
٢٥
النصوص الواردة في ذكر العرش وصفته واضافته غالبا الى خالقه تبارك وتعالى
وَمِنْ ذَلِكَ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي ذِكْرِ الْعَرْشِ وَصِفَتِهِ وَإِضَافَتِهِ غَالِبًا إِلَى خَالِقِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَنَّهُ تَعَالَى فَوْقَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النَّمْلِ: 26]
، وَقَالَ تَعَالَى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 116]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هُودٍ: 7]
، وَقَالَ تَعَالَى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غَافِرٍ: 15]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [الْبُرُوجِ: 14-15]
، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ».
وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ».
وَفِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أنا بموسى آخذ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ» الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يُغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» وَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ ما في يمنه، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأخرى الفيض أوالقبض، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» وَفِيهِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظَلُّهُ» قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ أَنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَلَفْظُهُ «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ بُعْدُ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَعُنُقِهِ مَخْفِقُ الطَّيْرِ سَبْعَمِائَةِ عَامٍ» وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَفِيهِ جُمْلَةُ أَحَادِيثَ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهَا جُمْلَةٌ وَافِيَةٌ.
٢٥
٢٦
ما قصه الله تعالى عن فرعون لعنه الله في تكذيبه موسى عليه السلام
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي تَكْذِيبِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَنَّ إِلَهَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَهُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الْقَصَصِ: 38]
، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} [غَافِرٍ: 36-37]
، فَفِرْعَوْنُ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَّبَ مُوسَى فِي أَنَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبَّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا هُوَ اللَّهُ، الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَوْقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ مُبَايِنٌ لَهُمْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ فَكُلُّ جَهْمِيٍّ نَافٍ لِعُلُوِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ فِرْعَوْنِيٌّ وَعَنْ فِرْعَوْنَ أَخَذَ دِينَهُ.
وَكُلُّ سُنِّيٍّ يَصِفُ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ فَهُوَ مُوسَوِيٌّ مُحَمَّدِيٌّ مُتَّبِعٌ لِرُسُلِ اللَّهِ وَكُتُبِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ تَكْلِيمِهِ مُوسَى حِينَ تَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَانْدَكَّ الْجَبَلُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الْأَعْرَافِ: 143]
، الْآيَةَ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قَالَ حَمَّادٌ: هَكَذَا وَأَمْسَكَ سُلَيْمَانُ بِطَرْفِ إِبْهَامِهِ عَلَى أُنْمُلَةِ إِصْبَعِهِ الْيُمْنَى، قَالَ: فَسَاخَ الْجَبَلُ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ نَحْوَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ أَيْضًا رَوَاهُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} قَالَ: قَالَ هَكَذَا، يَعْنِي أَنَّهُ أَخْرَجَ طَرْفَ الْخِنْصَرِ.
قَالَ أَحْمَدُ: أَرَانَا مُعَاذٌ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرَهُ ضَرْبَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا حُمَيْدُ، وَمَا أَنْتَ يَا حُمَيْدُ؟ يُحَدِّثُنِي بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ؟ وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ طَرِيقِ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قَالَ: «وَوَضَعَ الْإِبْهَامَ قَرِيبًا مِنْ طَرْفِ خِنْصَرِهِ» قَالَ: فَسَاخَ الْجَبَلُ، قَالَ حُمَيْدٌ لِثَابِتٍ: يَقُولُ هَكَذَا، فَرَفَعَ ثَابِتٌ يَدَهُ فَضَرَبَ صَدْرَ حُمَيْدٍ وَقَالَ: يَقُولُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ أَنَسٌ وَأَنَا أَكْتُمُهُ! وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ مِنْ طَرِيقِ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَا عِلَّةَ فِيهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَمِنْ طَرِيقِ حَجَّاجٍ يَعْنِي ابْنَ مِنْهَالٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ سِيَاقِ الْحَدِيثِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ: أَفَلَيْسَ الْعِلْمُ مُحِيطًا يَا ذَوِي الْأَلْبَابِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَمَعَ كُلِّ بَشَرٍ وَخَلْقٍ كَمَا زَعَمَتِ الْمُعَطِّلَةُ لَكَانَ مُتَجَلِّيًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا فِي الْأَرْضِ لَوْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَجَلِّيًا لِجَمِيعِ أَرْضِهِ سَهْلِهَا وَوَعْرِهَا وَجِبَالِهَا وَبَرَارِيهَا وَمَفَاوِزِهَا وَمُدُنِهَا وقراها وعماراتها وَعِمَارَاتِهَا وَخَرَابِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنْ نَبَاتٍ وَبِنَاءٍ لَجَعَلَهَا دَكًّا كَمَا جَعَلَ اللَّهُ الْجَبَلَ الَّذِي تَجَلَّى لَهُ دَكًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}.
وَبِالْجُمْلَةِ فَجَمِيعُ رُسُلِ اللَّهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَجَمِيعُ كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ وَجَمِيعُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَمُؤْمِنِي أَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَتْبَاعُ رُسُلِ اللَّهِ وَجَمِيعُ الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ وَالْقُلُوبِ الْمُسْتَقِيمَةِ الَّتِي لَمْ تَجْتَلْهَا الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهَا جَمِيعُهَا شَاهِدَةٌ حَالًا وَمَقَالًا أَنَّ خَالِقَهَا وَفَاطِرَهَا وَمَعْبُودَهَا الَّذِي تَأْلَهُهُ وَتَفْزَعُ إِلَيْهِ وَتَدْعُوهُ رَغَبًا وَرَهَبًا هُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ عَالٍ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بَائِنًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَعْمَالَهُمْ وَيَسْمَعُ أَقْوَالَهُمْ وَيَرَى حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ وَجَمِيعَ تَقَلُّبَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، وَلِهَذَا تَرَى جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ عَالِمِهِمْ وَعَامِيِّهِمْ وَحُرِّهِمْ وَمَمْلُوكِهِمْ وَذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ وَصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ كُلٌّ مِنْهُمْ إِذَا دَعَا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي جَلْبِ خَيْرٍ أَوْ كَشْفِ مَكْرُوهٍ إِنَّمَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَشْخَصُ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى جِهَةِ الْعُلُوِّ، إِلَى مَنْ يَعْلَمُ سِرَّهُ وَنَجْوَاهُ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ، يَعْلَمُ أَنَّ مَعْبُودَهُ فَوْقَهُ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُدْعَى مِنْ أَعْلَى لَا مِنْ أسفل، كما يقوله الْجَهْمِيَّةُ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
٢٦
٢٧
٢٧
ذكر اقوال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة العلو
رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ إِلَهَكُمُ الَّذِي تَعْبُدُونَهُ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ قَدْ مَاتَ، وَإِنْ كَانَ إِلَهَكُمُ اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ لَمْ يَمُتْ.
ثُمَّ تَلَا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ.
وَلِلْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ، وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَقَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ حَيٌّ لَا يَمُوتُ.
وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّامَ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالُوا: لَوْ رَكِبْتَ بِرْذَوْنًا يَلْقَاكَ عُظَمَاءُ النَّاسِ وَوُجُوهُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ألا أراكم ههنا، إِنَّمَا الأمر من ههنا فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ كَالشَّمْسِ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ كَعْبًا قَالَ لِعُمَرَ: وَيْلٌ لِسُلْطَانِ الْأَرْضِ مِنْ سُلْطَانِ السَّمَاءِ، فَقَالَ عُمَرُ: إِلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ.
فَقَالَ كَعْبٌ: إِلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ.
فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا.
وَعَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: وَيْلٌ لِدَيَّانِ الْأَرْضِ مِنْ دَيَّانِ السَّمَاءِ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ، إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِالْعَدْلِ فَقَضَى بِالْحَقِّ وَلَمْ يَقْضِ عَلَى هَوًى وَلَا عَلَى قَرَابَةٍ وَلَا عَلَى رَغْبَةٍ وَلَا رَهَبٍ، وَجَعَلَ كِتَابَ اللَّهِ مِرْآةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ، قَالَ ابْنُ غَنْمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا عُثْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَعَبْدَ الْمَلِكِ، رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ.
وَعَنِ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ قَالَ: لَقِيَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ امْرَأَةٌ سَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فوق سبع سموات، قَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَالِحٌ فِيهِ انْقِطَاعٌ أَبُو يَزِيدَ لَمْ يَلْحَقْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِي لَفْظٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِعَجُوزٍ فَاسْتَوْقَفَتْهُ فَوَقَفَ يُحَدِّثُهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَبَسْتَ النَّاسَ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ، فَقَالَ: وَيْلَكَ أَتَدْرِي مَنْ هِيَ هَذِهِ امْرَأَةٌ سَمِعَ اللَّهُ شَكْوَاهَا مِنْ فوق سبع سموات، هَذِهِ خَوْلَةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدَّثَنَا مِنْ وُجُوهٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ.
وَمِنْ شِعْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
*
وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الْكَافِرِينَ
اوَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ
*
وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَ
اوَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ كِرَامٌ
*
مَلَائِكَةُ الْإِلَهِ مُسَوَّمِينَا
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ: رُوِّينَاهُ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ.
وَرَوَى الدَّارِمِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ والكرسي خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ إِلَى الْمَاءِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ» وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْهُ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَهُمُّ بِالْأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ أَوِ الْإِمَارَةِ حَتَّى إِذَا تَيَسَّرَ لَهُ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فوق سبع سموات فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: اصْرِفُوهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إِنْ يَسَّرْتُهُ لَهُ أَدْخَلْتُهُ النَّارَ» أَخْرَجَهُ اللَّالَكَائِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «إِنَّ تَعَالَى يَبْرُزُ لِأَهْلِ جَنَّتِهِ فِي كل جمعة وكثب مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ، فَيَحْدُثُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ مَا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَيَكُونُونَ مِنَ الدُّنُوِّ مِنْهُ كَمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْجُمُعِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ بَطَّةَ فِي الْإِبَانَةِ الْكُبْرَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَعَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْبَحْرُ الْمَسْجُورُ يَجْرِي تَحْتَ الْعَرْشِ.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ: «وَيَنْزِلُ اللَّهُ تعالى في ظل مِنَ الْغَمَامِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ».
وَعَنِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قَالَتْ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْإِقْرَارُ بِهِ إِيمَانٌ وَالْجُحُودُ بِهِ كُفْرٌ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ مَحْفُوظٌ عَنْ جَمَاعَةٍ كَرَبِيعَةَ الرَّأْيِ، وَمَالِكٍ الْإِمَامِ وَأَبِي جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيِّ، فَأَمَّا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَبَا كِنَانَةَ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَأَبُو عُمَيْرٍ لَا أَعْرِفُهُ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا مِنَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمِنَّا حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَمِنَّا الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
وَعَنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَى لَوْ كُنْتُ أُحِبُّ قَتْلَهُ لَقَتَلْتُهُ-يَعْنِي عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَلَكِنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ أَنِّي لَمْ أُحِبَّ قَتْلَهُ» رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
وَعَنِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّ جَعْفَرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَهَا إِذْ هُمْ بِالْحَبَشَةِ يَبْكِي فَقَالَتْ: مَا شَأْنُكَ، قَالَ: «رَأَيْتَ فَتًى مُتْرَفًا مِنَ الْحَبَشَةِ شَابًّا جَسِيمًا مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ فَطَرَحَ دَقِيقًا كَانَ مَعَهَا فَنَسَفَتْهُ الرِّيحُ، فَقَالَتْ: أَكِلُكَ إِلَى يَوْمِ يَجْلِسُ الْمَلِكُ عَلَى الْكُرْسِيِّ فَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ.
وَعَنِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا لَعَنَ اللَّهُ إِبْلِيسَ وأخرجه من سمواته وَأَخْزَاهُ قَالَ: رَبِّ أَخْزَيْتَنِي وَلَعَنْتَنِي وطردتني عن سمواتك وَجِوَارِكَ، فَوَعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّ خَلْقَكَ مَا دَامَتِ الْأَرْوَاحُ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَأَجَابَهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَارْتِفَاعِي عَلَى عَرْشِي لَوْ أَنَّ عَبْدِي أَذْنَبَ حَتَّى مَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ خَطَايَا ثُمَّ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِهِ إِلَّا نَفَسٌ وَاحِدٌ فَنَدِمَ عَلَى ذُنُوبِهِ لَغَفَرْتُهَا وَبَدَّلْتُ سَيِّئَاتِهِ كُلَّهَا حَسَنَاتٍ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ مَا اسْتَغْفَرُونِي».
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «إِنَّ الْكُرْسِيَّ الَّذِي وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، وَمَا يُقَدِّرُ قَدْرَ الْعَرْشِ إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ، وَإِنَّ السَّمَاوَاتِ فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلُ قُبَّةٍ فِي صَحْرَاءَ» رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ.
وَلِلدَّارِمِيِّ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ تَمُوتُ فَقَالَ: «كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ إِلَّا طَيِّبًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَاءَتَكِ مِنْ فوق سبع سموات، جَاءَ بِهَا الرُّوحُ الْأَمِينُ، فأصبح ليس مسجد مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ تَعَالَى يُذْكَرُ فِيهَا إِلَّا وَهُوَ يُتْلَى فِيهَا آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ».
وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَاسًا يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ قَالَ: «يُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ لَئِنْ أخذت شعر أحدهم لَا يُنْبِتُونَهُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا فَخَلَقَ الْخَلْقَ، وَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ».
وَلِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُولَ مِنْ فَوْقِهِمْ.
عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَوْقِهِمْ.
وَلِيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْتُ مُهَاجِرًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ قِصَّةً طَوِيلَةً وَقَالَ فِيهَا: فَإِذَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ يَسْجُدُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَهُمْ فِي السَّمَاءِ فَأَسْلَمْتُ وَتَبِعْتُهُ.
وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَتَفَاسِيرُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَحْضُرَ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ.
٢٧
٢٨
٢٨
ذكر اقوال التابعين رحمهم الله تعالى ومن بعدهم من اهل السنة والجماعة في صفة العلو
عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ:
(أَنَا اللَّهُ فَوْقَ عِبَادِي، وعرشي َفَوْقَ جَمِيعِ خِلْقِي، وَأَنَا عَلَى عَرْشِي أُدَبِّرُ أُمُورَ عِبَادِي.
وَلَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
وَعَنِهُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خلق سبع سموات وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ثُمَّ جَعَلَ بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْأَرْضِ، وَجَعَلَ كِثَفَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَفَعَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ الْأَثَرَ.
رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ نَظِيفٌ، وَأَبُو صَالِحٍ لَيَّنُوهُ وَمَا هُوَ بِمُتَّهَمٍ بَلْ سَيِّئُ الْإِتْقَانِ.
وَعَنِ مَسْرُوقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ حَبِيبَةُ اللَّهِ الْمُبَرَّأَةُ مِنْ فوق سبع سموات، قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَيُرْوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ أَهْلُكَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُكَ الَّذِينَ تُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّ عَرْشِكَ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَأْوُونَ إِلَى مَسَاجِدِي كَمَا تَأْوِي النُّسُورُ إِلَى أَوْكَارِهَا.
وَعَنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: يَنْزِلُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ شَطْرَ اللَّيْلِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْفَجْرُ صَعِدَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رَدِّهِ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ.
وَعَنِ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ارْتَفَعَ إِلَيْكَ ثُغَاءُ التَّسْبِيحِ، وَصَعِدَ إِلَيْكَ وَقَارُ التَّقْدِيسِ، سُبْحَانَكَ ذَا الْجَبَرُوتِ، بِيَدِكَ الْمُلْكُ وَالْمَلَكُوتُ وَالْمَفَاتِيحُ وَالْمَقَادِيرُ.
إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَعَنِ أَبِي قِلَابَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ:
(أَهْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ قَالَ: يَا آدَمُ إِنِّي مُهْبِطٌ مَعَكَ بَيْتًا يُطَافُ حوله كما يطاق حَوْلَ عَرْشِي وَيُصَلَّى عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى عِنْدَ عَرْشِي) وَذَكَرَ الْأَثَرَ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: هُوَ ثَابِتٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ.
وَعَنِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ:
(لَمَّا تَعَجَّلَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ رَأَى فِي ظِلِّ الْعَرْشِ رَجُلًا يَغْبِطُهُ، فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُخْبِرَهُ بِاسْمِهِ فَقَالَ: لَا وَلَكِنِّي أُحَدِّثُكَ بِشَيْءٍ مِنْ فِعْلِهِ، كَانَ لَا يَحْسُدُ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَا يَعُقُّ وَالِدَيْهِ وَلَا يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
وَعَنِ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: مَا أَخَذَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ مِنَ الْعَرْشِ إِلَّا كَمَا تَأْخُذُ الْحَلْقَةُ مِنْ أَرْضِ الْفَلَاةِ.
وَعَنِهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: يُجْلِسُهُ أَوْ يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: لِهَذَا الْقَوْلِ طُرُقٌ خَمْسَةٌ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَمِلَ فِيهِ الْمَرْوَزِيُّ مُصَنَّفًا، وَعَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ:
(أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَمِعَ الْكَلَامَ قَالَ: مَنْ أَنْتَ الَّذِي يُكَلِّمُنِي قَالَ: أَنَا رَبُّكَ الْأَعْلَى) قَالَ: الذَّهَبِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَعَنِهُ قَالَ:
(إِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كُنَّ طَبَقًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ رَجُلٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَخَرَقَتْهُنَّ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ.
وَعَنِ أَبِي عِيسَى يَحْيَى بْنِ رَافِعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَلَكًا لَمَّا اسْتَوَى الرَّبُّ عَلَى كُرْسِيِّهِ سَجَدَ فَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَيَقُولُ لَمْ أَعْبُدْكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
وَعَنِ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ:
(يَا رَبُّ أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَنَحْنُ فِي الْأَرْضِ فَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رِضَاكَ وَغَضَبَكَ؟ قَالَ: إِذَا رَضِيتُ عَنْكُمْ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ خِيَارَكُمْ وَإِذَا غَضِبْتُ اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ) قَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذَا ثَابِتٌ عَنْ قَتَادَةَ.
وَعَنِ عِكْرِمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي الْجَنَّةِ اشْتَهَى الزَّرْعَ، فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: ابْذُرُوا فَيَخْرُجُ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَوْقِ عرشه: كل يابن آدَمَ فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ لَا يَشْبَعُ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ.
وَصَحَّ فِي السُّنَّةِ لِلَّالَكَائِيِّ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ: كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطِيلُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ يَقُولُ: إِلَيْكَ رَفَعْتُ رَأْسِي نَظَرَ الْعَبِيدِ إِلَى أَرْبَابِهَا يَا سَاكِنَ السَّمَاءِ.
وَفِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: خُذُوا، فَيَقْرَأُ ثُمَّ يَقُولُ: اسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ الصَّادِقِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ.
وَعَنِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} قَالَ: بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ أَلْفَ حِجَابٍ فَمَا زَالَ يُقَرِّبُ مُوسَى حَتَّى كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ فَلَمَّا رَأَى مَكَانَهُ وَسَمِعَ صَرِيفَ الْقَلَمِ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} هَذَا ثَابِتٌ عَنْ مُجَاهِدٍ إِمَامِ التَّفْسِيرِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وَعَنِ سُفْيَانَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ:
(الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ.
وَمِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّصْدِيقُ).
وَعَنِ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: حَمَلَةُ الْعَرْشِ أَقْدَامُهُمْ ثَابِتَةٌ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَرُءُوسُهُمْ قَدْ جَاوَزَتِ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ وَقُرُونُهُمْ مِثْلُ طُولِهِمْ عَلَيْهَا الْعَرْشُ.
وَذَكَرَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ الْمُعْتَزِلَةَ وَقَالَ: إِنَّمَا مَدَارُ الْقَوْمِ عَلَى أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ كَالشَّمْسِ وُضُوحًا وَكَالْإِسْطِوَانَةِ ثُبُوتًا عَنْ سَيِّدِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَعَالِمِهِمْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِينٍ، رَفِيقُ ابْنِ كَثِيرٍ بِمَكَّةَ {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} وَعَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} قَالَ: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ وَعِلْمُهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا.
وَفِي لَفْظٍ: هُوَ فوق العرش وعلمهم مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا.
أَخْرَجَهُ الْعَسَّالُ وَابْنُ بَطَّةَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَعَنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال: لو سألت أَيْنَ اللَّهُ لَقُلْتُ فِي السَّمَاءِ.
وَعَنِ حَبِيبِ ابن أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: شَهِدْتُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ وَخَطَبَهُمْ بِوَاسِطَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا» ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَالْمُعْتَزِلَةُ تَقُولُ هَذَا وَتُحَرِّفُ نَصَّ التَّنْزِيلِ فِي ذَلِكَ، وَزَعَمُوا أَنَّ الرَّبَّ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّمْهِيدِ: وَعُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمُ التَّأْوِيلُ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} هُوَ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمَا خَالَفَهُمْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ يُحْتَجُّ بِهِ.
٢٨
٢٩
٢٩
ذكر اقوال طبقة اخرى في صفة العلو
عَنْ نُوحٍ الْجَامِعِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلَ مَا ظَهَرَ جَهْمٌ، إِذْ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ تِرْمِذَ كَانَتْ تُجَالِسُ جَهْمًا فَدَخَلَتِ الْكُوفَةَ فَأَظُنُّنِي أَقَلُّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا عَشَرَةُ آلَافِ نَفْسٍ، فَقِيلَ لها: إن ههنا رجلا قد نَظَرَ فِي الْمَعْقُولِ يُقَالُ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَأْتِيهِ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: أَنْتَ الَّذِي تُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَسَائِلَ وَقَدْ تَرَكْتَ دِينَكَ، أَيْنَ إِلَهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ؟ فَسَكَتَ عَنْهَا ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يُجِيبُهَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا، وَقَدْ وَضَعَ كِتَابًا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} قَالَ: هُوَ كَمَا تَكْتُبُ إِلَى الرَّجُلِ أَنِّي مَعَكَ، وَأَنْتَ غَائِبٌ عَنْهُ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أَصَابَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا نَفَى عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْكَوْنِ فِي الْأَرْضِ.
وَأَصَابَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَتَبِعَ مُطْلَقَ السَّمْعِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ، قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ هُوَ كَمَا تَكْتُبُ إِلَى الرَّجُلِ إِلَخْ نَفْيَ الْحُلُولِ.
وَإِلَّا فَرَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَوَاءٌ عِنْدَهُ الْغَيْبُ وَالشَّهَادَةُ وَالسِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ.
وَعَنِ أَبِي مطيع بن الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيِّ، قَالَ:
(سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّنْ يَقُولُ لَا أَعْرِفُ رَبِّي فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ، قَالَ: إِذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: قَدْ كَفَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وعرشه فوق سمواته فَقُلْتُ إِنَّهُ يَقُولُ: أَقُولُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَلَكِنْ قَالَ: لَا يَدْرِي الْعَرْشَ فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ.
قَالَ: إِذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ فَقَدْ كَفَرَ) رَوَاهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ فِي الْفَارُوقِ.
وَرَوَى الْمَقْدِسِيُّ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: من أنكر أن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ فَقَدْ كَفَرَ.
وَعَنْ أَبِي جُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ:
(كُنَّا-وَالتَّابِعُونَ مُتَوَافِرُونَ- نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ عَرْشِهِ وَنُؤْمِنُ بما وردت به السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ).
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وَلِلثَّعْلَبِيِّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} قَالَ: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ.
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ فَقَالَ: أُمِرُّهَا كَمَا جَاءَتْ.
وَعَنِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} قَالَ: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ وَعِلْمُهُ مَعَهُمْ، رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي السُّنَّةِ.
وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْهُ قَالَ: بَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}: هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَالْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ وَالظَّاهِرُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَالْبَاطِنُ أَقْرَبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا قُرْبُهُ بِعِلْمِهِ وَهُوَ فَوْقُ عَرْشِهِ.
وَعَنِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} قَالَ: عِلْمُهُ وَقَالَ: فِي جَمِيعِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ.
وَعَنِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ.
وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ مَالِكٌ وَأَخَذَتْهُ الرُّحَضَاءُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، وَلَا يُقَالُ كَيْفَ وَكَيْفَ عَنْهُ مَرْفُوعٌ، وَأَنْتَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ أَخْرِجُوهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالِاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ ضَالًّا وَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ.
وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ: وَيْلَكُمْ مَا تُنْكِرُونَ هَذَا الْأَمْرَ وَاللَّهِ مَا فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ إِلَّا وَفِي الْقُرْآنِ مَا هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}، {يَا مُوسَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} فَمَا زَالَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ.
وَصَحَّ عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا جَحَدَتْ بِهِ الْجَهْمِيَّةُ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ فَهِمْتُ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ فِيمَا تَتَابَعَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ فِي صِفَةِ الرَّبِّ الْعَظِيمِ الَّذِي فَاتَتْ عَظَمَتُهُ الْوَصْفَ وَالتَّقْدِيرَ، وَكَلَّتِ الْأَلْسُنُ عَنْ تَفْسِيرِ صِفَتِهِ وَانْحَسَرَتِ الْعُقُولُ دُونَ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، فَلَمْ تَجِدِ الْعُقُولُ مَسَاغًا فَرَجَعَتْ خَاسِئَةً حَسِيرَةً، وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِالنَّظَرِ وَالتَّفْكِيرِ فِيمَا خَلَقَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ
(كَيْفَ) لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَرَّةً ثُمَّ كَانَ، أَمَّا مَنْ لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ وَلَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ.
وَسَاقَ فَصْلًا طَوِيلًا فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ نُصُوصِ الصِّفَاتِ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: إِنَّمَا يَدُورُونَ عَلَى أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ، يَعْنِي الْجَهْمِيَّةَ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ إِمَامُ أَهْلِ الْمَغَازِي: كَانَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ إِذْ لَيْسَ إِلَّا الْمَاءُ عَلَيْهِ الْعَرْشُ، وَعَلَى الْعَرْشِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الظَّاهِرُ فِي عُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ فَوْقَهُ، الْبَاطِنُ لِإِحَاطَتِهِ بِخَلْقِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ دُونَهُ، الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَبِيدُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ ثُمَّ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ مِنْ دخان، ثم دحى الْأَرْضَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَحَبَكَهُنَّ وَأَكْمَلَ خَلْقَهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ، فَفَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ.
٢٩
٣٠
٣٠
طبقة اخرى
رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: كَلَامُ الْجَهْمِيَّةِ أَوَّلُهُ عَسَلٌ وَآخِرُهُ سُمٌّ، وَإِنَّمَا يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ.
وَصَحَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا نَقُولُ كَمَا تَقُولُ الجهمية إنه ههنا فِي الْأَرْضِ.
فَقِيلَ هَذَا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَقَالَ: هَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا.
وَعَنِهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ خِفْتُ اللَّهَ مِنْ كَثْرَةِ مَا أَدْعُو عَلَى الْجَهْمِيَّةِ، قَالَ: لَا تَخَفْ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ إِلَهَكَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ ابن أَحْمَدَ.
وَقَالَ نُوحٌ الْجَامِعُ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ هُوَ، فَحَدَّثَ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَ الْأَمَةَ «أَيْنَ اللَّهُ» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ثُمَّ قَالَ: سَمَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنَةً أَنْ عَرَفَتْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ.
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَيْضًا.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: كَلَّمْتُ بِشْرًا الْمِرِّيسِيَّ وَأَصْحَابَهُ فَرَأَيْتُ آخِرَ كَلَامِهِمْ يَنْتَهِي أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ، أَرَى أَنْ لَا يُنَاكَحُوا وَلَا يُوارَثُوا.
وَثَبَتَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: مَنْ طَلَبَ الدِّينَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ، وَمَنْ طَلَبَ الْمَالَ بِالْكِيمْيَاءِ أَفْلَسَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ غَرِيبَ الْحَدِيثِ كَذَبَ.
وقد ضرب عليا الْأَحْوَلُ وَطَوَّفَ بِهِ فِي شَأْنِ الْكَلَامِ وَضُرِبَ آخَرُ كَانَ مَعَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ وَلَا وَصْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، فَمَنْ فَسَّرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةِ لَا شَيْءَ.
وَكَتَبَ بِشْرٌ الْمِرِّيسِيُّ قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ اسْتِوَاؤُهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَالْجَوَابُ فِيهِ تَكَلُّفٌ وَمَسْأَلَتُكَ عَنْ ذَلِكَ بِدْعَةٌ وَالْإِيمَانُ بِجُمْلَةِ ذَلِكَ وَاجِبٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}.
وَقِيلَ لِيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: مَنِ الْجَهْمِيُّ؟ قَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} عَلَى خِلَافِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ الضُّبَعِيُّ وَذَكَرَ الْجَهْمِيَّةَ فَقَالَ: هُمْ شَرٌّ قَوْلًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدِ اجْتَمَعَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَالُوا هُمْ: لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ بِحَدِيثِ
(إِذَا جَلَسَ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَى الْكُرْسِيِّ) فَاقْشَعَرَّ رَجُلٌ عِنْدَ وَكِيعٍ فَغَضِبَ وَكِيعٌ وَقَالَ: أَدْرَكْنَا الْأَعْمَشَ وَالثَّوْرِيَّ يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَا يُنْكِرُونَهَا.
وَقَالَ مَرَّةً: نُسَلِّمُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كَمَا جَاءَتْ وَلَا نَقُولُ: كَيْفَ كَذَا وَلَا لَمْ كَذَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى وَأَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَرْشِ، أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ: إِيَّاكُمْ وَرَأْيَ جَهْمٍ فَإِنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ، وَمَا هُوَ إِلَّا مِنْ وَحْيِ إِبْلِيسَ، مَا هُوَ إِلَّا الْكُفْرُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ لَمَّا قُدِّمَتِ امْرَأَةُ جَهْمٍ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهَا: اللَّهُ عَلَى عَرْشِهِ فَقَالَتْ: مَحْدُودٌ عَلَى مَحْدُودٍ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هِيَ كَافِرَةٌ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ.
وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} يَقُولُ ارْتَفَعَ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ صَعِدَ.
وَعَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ ضَرَبَ رَأْسَ قَرَابَةٍ لَهُ كَانَ يَرَى رَأْيَ جَهْمٍ، وَكَانَ يَضْرِبُ بِالنَّعْلِ عَلَى رَأْسِهِ وَيَقُولُ: لَا حَتَّى تَقُولَ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.
٣٠
٣١
طبقة الشافعي واحمد رضي الله عنهما
رَوَى الْحَافِظُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْقَوْلُ فِي السُّنَّةِ الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا الَّذِينَ رَأَيْتُهُمْ مِثْلَ سُفْيَانَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا إِقْرَارٌ بِشَاهِدَةٍ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَيَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ شَاءَ، وَذَكَرَ سَائِرَ الِاعْتِقَادِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ: مَنْ لَا يُوقِنُ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا يَقِرُ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: نَاظَرْتُ جَهْمًا فَتَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَنَّ فِي السَّمَاءِ رَبًّا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ: نَقِفُ عَلَى مَا وَقَفَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، نَقُولُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْطِلٌ جَهْمِيٌّ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: وَحُبِسَ رَجُلٌ فِي التَّجَهُّمِ فَجِيءَ بِهِ إِلَيْهِ لِيَمْتَحِنَهُ فَقَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَالَ: رُدُّوهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَتُبْ بَعْدُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْعَابِدُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّكَ لَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَرَى في الآخرة فهوكافر بِوَجْهِكَ، أَشْهَدُ أَنَّكَ فَوْقَ الْعَرْشِ فوق سبع سموات، لَيْسَ كَمَا تَقُولُ أَعْدَاءُ اللَّهِ الزَّنَادِقَةُ وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الطَّرَسُوسِيُّ: قُلْتُ لِسُنَيْدِ بْنِ دَاوُدَ: هُوَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ نُعَيْمٍ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ بِعِلْمِهِ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} الْآيَةَ.
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَنْكَرَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولُهُ تَشْبِيهًا.
وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي: وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى كَمَا شَاءَ وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا كَانَ وَأَنَّهُ يَقُولُ وَيَخْلُقُ، فَقَوْلُهُ كُنْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَمِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِكَ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الشَّرَفِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِكَ أَنَّ الْفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِكَ أَنِّي لَا أُؤْثِرُ عَلَى حُبِّكَ شَيْئًا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ: وَالْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَضَحِكَ رَبُّنَا، وَحَدِيثُ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا، فَقَالَ: هَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ حَمَلَهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهِيَ عِنْدَنَا حَقٌّ لَا نَشُكُّ فِيهَا، وَلَكِنْ إِذَا قِيلَ لَنَا كَيْفَ وَضَعَ قَدَمَهُ وَكَيْفَ يَضْحَكُ؟ قُلْنَا: لَا نُفَسِّرُ هَذَا وَلَا سَمِعْنَا أَحَدًا يُفَسِّرُهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ وَسُئِلَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ فَقَالَ: عِلْمُ اللَّهِ مَعَنَا وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ.
وَقَالَ مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: دَخَلَتِ امْرَأَةُ جَهْمٍ عَلَى زَوْجَتِي فَقَالَتْ: يَا أُمَّ إِبْرَاهِيمَ هَذَا زَوْجُكِ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنِ الْعَرْشِ مَنْ نَجَرَهُ؟ قَالَتْ: نَجَرَهُ الَّذِي نَجَرَ أَسْنَانَكِ.
قَالَ: وَكَانَتْ بَادِيَةَ الْأَسْنَانِ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: قَوْلُ الْأَئِمَّةِ فِي الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ نَعْرِفُ رَبَّنَا فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطِيعِيُّ: آخِرُ كَلَامِ الْجَهْمِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إِذَا قَالَ لَكَ الْجَهْمِيُّ وَكَيْفَ يَنْزِلُ؟ فَقُلْ كَيْفَ يَصْعَدُ؟ قُلْتُ: الْكَيْفُ فِي الْحَالَيْنِ مَنْفِيٌّ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ.
وَعَنِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ: مَا قَوْلُ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ؟ قَالَ: يُؤْمِنُونَ بِالرُّؤْيَةِ وَبِالْكَلَامِ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى، فَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} فَقَالَ: اقْرَأْ مَا قَبْلَهُ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ}.
وَسُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ: اللَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَقُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ؟ قَالَ: نَعَمْ هُوَ عَلَى عَرْشِهِ وَلَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْ عِلْمِهِ.
وَقِيلَ لَهُ: مَا مَعْنَى {وَهُوَ مَعَكُمْ} قَالَ: عِلْمُهُ مُحِيطٌ بِالْكُلِّ وَرَبُّنَا عَلَى الْعَرْشِ بِلَا حَدٍّ وَلَا صِفَةٍ.
وَقَالَ حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكِرْمَانِيُّ: قُلْتُ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} كَيْفَ تَقُولُ فِيهِ: قَالَ: حَيْثُ مَا كُنْتَ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وَهُوَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَوْلَهُ: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَعْلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ وَأَبَيْنُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} رَوَاهُ الْخَلَّالُ فِي السُّنَّةِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَرْوُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ رَوَاهَا الثِّقَاتُ الَّذِينَ يَرْوُونَ الْأَحْكَامَ، فَقَالَ: يَنْزِلُ وَيَدَعُ عَرْشَهُ؟ فَقُلْتُ: يَقْدِرُ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ الْعَرْشُ، قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: فَلِمَ تَتَكَلَّمُ فِي هَذَا؟.
وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} إِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ اسْتَوَى وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ.
وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قَالَ: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَيْسَ كَذَاكَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ اسْتَوْلَى، فَقَالَ: اسْكُتْ مَا يُدْرِيكَ مَا هَذَا، الْعَرَبُ لا تقول الرجل اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ فِيهِ مُضَادٌّ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ قِيلَ اسْتَوْلَى، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا مُضَادَّ لَهُ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِيلَاءُ بَعْدَ الْمُغَالَبَةِ قَالَ النَّابِغَةُ:
إِلَّا لِمِثْلِكَ أَوْ مَا أَنْتَ سَابِقُهُ
*
سَبْقَ الْجَوَادِ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْأَمَدِ
وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَشْرَقَ لِنُورِ وَجْهِهِ السَّمَاوَاتُ وَأَنَارَ لِوَجْهِهِ الظُّلُمَاتُ وَحَجَبَ جَلَالَهُ عَنِ الْعُيُونِ، وَنَاجَاهُ عَلَى عَرْشِهِ أَلْسِنَةُ الصُّدُورِ.
٣١
٣٢
٣٢
طبقة اخرى
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحَقِّ مَا بَدَى وَأَوْلَى مَنْ شُكِرَ وَعَلَيْهِ أُثْنِي، الْوَاحِدُ الصَّمَدُ لَيْسَ لَهُ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ، جَلَّ عَنِ الْمِثْلِ فَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا عَدِيلَ، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ الْمَنِيعُ الرَّفِيعُ عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ فَهُوَ دَانٍ بِعِلْمِهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَمِنَ اللَّهِ، لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَيَبِيدُ، وَقُدْرَةُ اللَّهِ وَنَعْتُهُ وَصِفَاتُهُ كَلِمَاتٌ غَيْرُ مَخْلُوقَاتٍ.
دَائِمَاتٌ أَزِلِّيَّاتٌ، لَيْسَ مُحْدَثَاتٍ فَتَبِيدُ، وَلَا كَانَ رَبُّنَا نَاقِصًا فَيَزِيدُ، جَلَّتْ صِفَاتُهُ عَنْ شُبَهِ الْمَخْلُوقِينَ، عَالٍ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.
وَذَكَرَ ذَلِكَ الْمُعْتَقِدُ وَقَالَ: لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ تَوْحِيدٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ بِصِفَاتِهِ، قُلْتُ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: سَمِيعٌ بَصِيرٌ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ.
وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَعْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ» فَقَالَ: يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ عِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَا كَانَ وَاللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الجهمية: باب قول الله تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ ارْتَفَعَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي اسْتَوَى: عَلَا عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالَتْ زَيْنَبُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: زَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فوق سبع سموات.
ثُمَّ إِنَّهُ بَوَّبَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَكْثَرِ مَا تُنْكِرُهُ الْجَهْمِيَّةُ مِنَ الصِّفَاتِ مُحْتَجًّا بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَسُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فَغَضِبَ وَقَالَ: تَفْسِيرُهُ كَمَا تَقْرَأُ هُوَ عَلَى عَرْشِهِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَمَا أَدْرَكَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ حِجَازًا وَعِرَاقًا وَمِصْرًا وَشَامًا وَيَمَنًا، فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتعالى عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِلَا كَيْفٍ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحَنْظَلِيُّ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: وَنَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ: إِنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، لَا يَشِذُّ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إِلَّا جَهْمِيٌّ يَمْزُجُ اللَّهَ بِخَلْقِهِ رَوَاهُ صَاحِبُ الْفَارُوقِ.
وَعَنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لَا تَرْفَعُ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: وَهَلْ أَرْجُو الْخَيْرَ إِلَّا مِمَّنْ هُوَ فِي السَّمَاءِ.
رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَرْجَمَتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ: مَنْ زَعَمَ أن الله ههنا فَهُوَ جَهْمِيٌّ خَبِيثٌ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَكَتَبَ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَنْظَلِيِّ: إِنَّ الْجَهْمِيَّةَ أَعْدَاءُ اللَّهِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى، وَلَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُعْرَفُ لِلَّهِ مَكَانٌ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ وَلَا كُرْسِيٍّ، وَهُمْ كُفَّارٌ فَاحْذَرْهُمْ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النَّقْضِ: قَدِ اتَّفَقَتِ الْكَلِمَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ عرشه فوق سمواته يَعْلَمُ وَيَسْمَعُ مِنْ فَوْقِ الْعَرْشِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَيْفَ يَسُوغُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِكُلِّ مَكَانٍ عَلَى الْحُلُولِ فِيهِ مَعَ قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} وَمَعَ قَوْلِهِ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} كَيْفَ يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ هُوَ مَعَهُ؟ وَكَيْفَ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَهُ؟ قَالَ: لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ رَجَعُوا إِلَى فِطْرَتِهِمْ وَمَا رُكِّبَتْ عَلَيْهِ ذَوَاتُهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ لَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى وَأَنَّ الْأَيْدِيَ تُرْفَعُ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَالْأُمَمُ كُلُّهَا عَجَمِيُّهَا وَعَرَبِيُّهَا تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ مَا تُرِكَتْ عَلَى فطرها.
وقال أبوبكر بْنُ عَاصِمٍ الشَّيْبَانِيُّ: جَمِيعُ مَا فِي كِتَابِنَا-كِتَابِ السُّنَّةِ الْكَبِيرِ- مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا تُوجِبُ الْعِلْمَ فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِهَا لِصِحَّتِهَا وَعَدَالَةِ نَاقِلِيهَا، وَيَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، وَتَرْكُ تَكَلُّفِ الْكَلَامِ فِي كَيْفِيَّتِهَا.
فَذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ النُّزُولَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالِاسْتِوَاءَ عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَالَ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَامِعِهِ لَمَّا رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ خَبَرٌ مُنْكَرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ «لَوْ أَنَّكُمْ أَدْلَيْتُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ» فَقَالَ: قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَرَادَ لَهَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْ سُنَنِهِ-بَابٌ فِي الْجَهْمِيَّةِ- وَسَاقَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حتى يقال هذا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ثُمَّ لْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ مِنَ الشَّيْطَانِ» وَذَكَرَ حَدِيثَ الْأَوْعَالِ وَحَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَحَدِيثَ «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ»، الْحَدِيثَ.
وَقَدْ تَرْجَمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ عَلَى مُعْتَقَدَاتِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمَا وَرَدَ فِيهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَالرُّؤْيَةِ وَالنُّزُولِ وَطَيِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَتَكَلُّمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالشَّفَاعَةِ وَالْبَعْثِ وَخَلْقِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ وَالْحَوْضِ وَالْمِيزَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَى طَوَائِفِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُنَنِهِ: بَابُ مَا أَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ، فَسَاقَ حَدِيثَ الرُّؤْيَةِ وَحَدِيثَ أَبِي رَزِينٍ وَحَدِيثَ جَابِرٍ: «بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ».
الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ، وَحَدِيثَ الْأَوْعَالِ وَغَيْرَهَا.
وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ سَاقُوا أَحَادِيثَ الصِّفَاتِ وَأَمَرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا بِكَيْفٍ وَلَا تَأْوِيلٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ذَكَرُوا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ يَقُولُونَ: لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ، وَأَنْكَرُوا الْعَرْشَ وَأَنَّ اللَّهَ فَوْقَهُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فَفَسَّرَتِ الْعُلَمَاءُ
(وَهُوَ مَعَكُمْ) يَعْنِي عِلْمَهُ ثُمَّ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ فَهُوَ فَوْقُ الْعَرْشِ مُتَخَلِّصًا مِنْ خَلْقِهِ بَائِنًا مِنْهُمْ.
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجُوزُ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقُولَ كَيْفَ الِاسْتِوَاءُ لِمَنْ خَلَقَ الِاسْتِوَاءَ وَلَنَا عَلَيْهِ الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ) قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الزِّنْدِيقُ زِنْدِيقًا؛ لِأَنَّهُ وَزَنَ دِقَّ الْكَلَامِ بِمَخْبُولِ عَقْلِهِ، وَتَرَكَ الْأَثَرَ وَتَأَوَّلَ الْقُرْآنَ بِالْهَوَى، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمِنْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ.
٣٢
٣٣
٣٣
طبقة اخرى
قَالَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْقَوْلُ فِي السُّنَّةِ الَّتِي رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَصْحَابَنَا أَهْلَ الْحَدِيثِ الَّذِينَ لَقِينَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ.
وَسَاقَ سَائِرَ الِاعْتِقَادِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إِمَامُ الْمُفَسِّرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عَقِيدَتِهِ: وَحَسْبُ امْرِئٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَبَّهُ هُوَ الَّذِي عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، فَمَنْ تَجَاوَزَ ذَلِكَ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ.
وَنَقَلَ فِي تَفْسِيرِ {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا أَيْ: عَلَا وَارْتَفَعَ، وَتَفْسِيرُهُ مَشْحُونٌ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ هَنَّادٍ الْبُوشْنَجِيُّ: هَذَا مَا رَأَيْنَا عَلَيْهِ أَهْلَ الْأَمْصَارِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مَذَاهِبُهُمْ فِيهِ وَإِيضَاحُ مِنْهَاجِ الْعُلَمَاءِ وَصِفَةِ السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا، إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَعِلْمُهُ وَسُلْطَانُهُ وَقُدْرَتُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ.
وَقَالَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ: مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى فوق سبع سمواته بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَأُلْقِيَ عَلَى مَزْبَلَةٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِرَائِحَتِهِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: قَدْ صَحَّ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الدِّيَانَةِ وَالسُّنَّةِ إِلَى زَمَانِنَا أَنَّ جَمِيعَ الْآيِ وَالْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْإِيمَانُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا وَرَدَ وَأَنَّ السُّؤَالَ عَنْ مَعَانِيهَا بِدْعَةٌ، وَالْجَوَابَ كُفْرٌ وَزَنْدَقَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} وَقَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَذَكَرَ الِاعْتِقَادَ وَقَالَ ثَعْلَبٌ إِمَامُ الْعَرَبِيَّةِ {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: عَلَا.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ وَسَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ حَدِيثِ نُزُولِ الرَّبِّ: فَالنُّزُولُ كَيْفَ هُوَ يَبْقَى فَوْقَهُ عُلُوٌّ؟ فَقَالَ: النُّزُولُ مَعْقُولٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ الْإِمَامُ فِي عَقِيدَتِهِ: وَالْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ حَقٌّ كَمَا بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْعَرْشِ وَمَا دُونَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي ذِكْرِ مَقَالَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ: وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.
قَالَ: وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذا دعوا نحوالسماء؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ لَمْ يرفعوا أيديهم نحوالعرش.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْكَلَامُ فِي الرَّبِّ مُحْدَثَةٌ وَبِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ، فَلَا يُتَكَلَّمُ فِي اللَّهِ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا نَقُولُ فِي صِفَاتِهِ لِمَ وَلَا كَيْفَ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى وَعَلَى عَرْشِهِ اسْتَوَى وَعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ.
٣٣
٣٤
طبقة اخرى من ايمة الاسلام وعلماء السنة
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ فِي بَابِ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فَسَاقَ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ وَأَئِمَّتِهِمْ وَحَدِيثَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَقَدْ مَرَّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} أَيْ: مَنْ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا صَحَّتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ: بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِوَاءِ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ، فَسَاقَ فِي الْبَابِ حَدِيثَ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ وَحَدِيثَ الْأَوْعَالِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَحَادِيثِ الْعُلُوِّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ: الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عرشه فوق سمواته وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ قَدْ أَحَاطَ بِجَمِيعِ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى وَبِجَمِيعِ مَا خَلَقَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يُرْفَعُ إِلَيْهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ.
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ لَهُ: ذِكْرُ عَرْشِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَكُرْسِيِّهِ وَعِظَمِ خَلْقِهِمَا وَعُلُوِّ الرَّبِّ فَوْقَ عَرْشِهِ.
وَسَاقَ جُمْلَةَ أَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ بِلَا كَيْفٍ فَإِنَّهُ انْتَهَى إِلَى أَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفَ كَانَ اسْتِوَاؤُهُ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ: اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَالٍ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ الِاعْتِلَاءُ.
وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِرَفْعِ أَيْدِينَا قَاصِدِينَ إِلَيْهِ بِرَفْعِهَا نَحْوَ الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ مُسْتَوٍ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِخَلْقِهِ، أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى عرشه فوق سمواته بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ فِي أَحْمَدَ
*
إِلَى أَحْمَدَ الْمُصْطَفَى نُسْنِدُ
هُوَأَمَّا حَدِيثٌ بِإِقْعَادِهِ
*
عَلَى الْعَرْشِ أَيْضًا فَلَا نَجْحَدُ
هُأَمِرُّوا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ
*
وَلَا تَدْخُلُوا فِيمَا يُفْسِدُهُ
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَهُوَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَمَوْجُودٌ غَيْرُ مُدْرَكٍ، وَمَرْئِيٌّ غَيْرُ مُحَاطٍ بِهِ لِقُرْبِهِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وَهُوَ يَسْمَعُ، وَيَرَى وَهُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى وَعَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، فَالْقُلُوبُ تَعْرِفُهُ وَالْعُقُولُ لَا تُكَيِّفُهُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْمَغْرِبِيِّ: وَأَنَّهُ تَعَالَى فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدُ بِذَاتِهِ، وَأَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِعِلْمِهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَطْلَقَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ:
(بِذَاتِهِ) أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارِمِيُّ وَيَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ وَأَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرَجِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الطَّرْقِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الْقُحَيْطِيُّ وَعَبْدُ الْقَادِرِ الْجَبَلِيُّ وَطَائِفَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اسْتَوَى بِمَعْنَى عَلَا وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أَيْ: مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي إِبَانَتِهِ: فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ تَقُولُونَ إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟ قِيلَ: مَعَاذَ اللَّهِ بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْقَصَّابُ فِي عَقِيدَتِهِ: كَانَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ لَا شَيْءَ مَعَهُ وَلَا مَكَانَ يَحْوِيهِ فَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ وَخَلَقَ الْعَرْشَ لَا لِحَاجَةٍ إِلَيْهِ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ اسْتِوَاءَ اسْتِقْرَارٍ كَيْفَ شَاءَ وَأَرَادَ، لَا اسْتِقْرَارَ رَاحَةٍ كَمَا يَسْتَرِيحُ الْخَلْقُ.
قُلْتُ: تَفْسِيرُ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِقْرَارِ لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ، وَنَحْنُ لَا نَصِفُ اللَّهَ إِلَّا بِمَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَا نَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا نَنْقُصُ مِنْهُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: طَرِيقُنَا طَرِيقَةُ السَّلَفِ الْمُتَّبِعِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَمِمَّا اعْتَقَدُوهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ كَامِلًا بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ الْقَدِيمَةِ لَا يَزُولُ وَلَا يَحُولُ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِعِلْمٍ بَصِيرًا بِبَصَرٍ سَمِيعًا بِسَمْعٍ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الْعَرْشِ وَاسْتِوَاءِ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُونَ بِهَا وَيُثْبِتُونَهَا مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، وَأَنَّ اللَّهَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَالْخَلْقَ بَائِنُونَ مِنْهُ لَا يَحُلُّ فِيهِمْ وَلَا يَمْتَزِجُ بِهِمْ، وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ دُونَ أَرْضِهِ.
وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ زِيَادٍ فِي أَثْنَاءِ وَصِيَّتِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَأْوِيلٍ وَالِاسْتِوَاءُ مَعْقُولٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، وَأَنَّهُ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَالْخَلْقُ بَائِنُونَ مِنْهُ.
وَذَكَرَ سَائِرَ الِاعْتِقَادَ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وَقَالَ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَمِنَ التَّابِعِينَ رَبِيعَةَ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَبِهِ قَالَ: مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ: هُوَ بِذَاتِهِ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَعِلْمُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَقُدْرَتُهُ مُدْرِكَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} فَهَذَا الذي قلناه هو كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: لفظة
(بذاته) مستغن عَنْهَا بِصَرِيحِ النُّصُوصِ الْكَافِيَةِ الْوَافِيَةِ.
وَقَالَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُعْتَقَدِهِ الْمَشْهُورِ: وَأَنَّهُ خَلَقَ الْعَرْشَ لَا لِحَاجَةٍ، وَاسْتَوَى عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ لَا اسْتِوَاءَ رَاحَةٍ، وَكُلُّ صِفَةٍ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ أَوْ صفه بِهَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ صِفَةٌ حَقِيقَةٌ لَا صِفَةَ مَجَازٍ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الطَّلَمَنْكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّهُ عِلْمُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوْقَ السَّمَاوَاتِ بِذَاتِهِ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُهُ وَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ وَأَعْيَانُ الْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى عرشه فوق سمواته.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ السَّجْزِيُّ: أَئِمَّتُنَا كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْفُضَيْلِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي فِي أُرْجُوزَتِهِ الَّتِي فِي عُقُودِ الدِّيَانَةِ:كَلَامُهُ وَقَوْلُهُ قَدِيمُ
*
وَهْوَ فَوْقُ عَرْشِهِ الْعَظِيمِوَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ النُّزُولِ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ فوق سبع سموات كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَةُ.
وَقَالَ أَيْضًا: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمُ التَّأْوِيلُ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}: هُوَ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ الْجَارِيَةِ: الْكَلَامُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا جَوَازُ السُّؤَالِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَيْنَ هُوَ؟ وَالثَّانِي جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا تَعَالَى بِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْمُعْتَقَدِ لَهُ: بَابُ الْقَوْلِ فِي الِاسْتِوَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وَأَرَادَ مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وَقَالَ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} أَيْ: عَلَى الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ، وَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ أَأَمِنْتُمْ مَنْ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ.
٣٤
٣٥
٣٥
طبقة اخرى
قَالَ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ: وَأَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ فِي التَّصَوُّفِ، قَالَ فِي كِتَابٍ لَهُ: بَابُ اسْتِوَاءِ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَسَاقَ الْحُجَّةَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَفِي أَخْبَارٍ شَتَّى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى الْعَرْشِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وَعِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ وَاسْتِمَاعُهُ وَنَظَرُهُ وَرَحْمَتُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} قَالَ: الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: اسْتَقَرَّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: صَعِدَ.
وَأَوَّلَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاءِ.
فَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا كَيْفٍ، يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْإِيمَانُ بِهِ وَيَكِلُ الْعَلَمَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمَ وَقَالَ: وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الصِّفَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرَجِيُّ فِي بَائِيَّتِهِ:
عَقَائِدُهُمْ أَنَّ الْإِلَهَ بِذَاتِهِ
*
عَلَى عَرْشِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْغَوَائِبِ
وَأَنَّ اسْتِوَاءَ الرَّبِّ يُعْقَلُ كَوْنُهُ
*
وَيُجْهَلُ فِيهِ الْكَيْفُ جَهْلَ الشَّهَارِبِ
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْغُنْيَةِ: أَمَّا مَعْرِفَةُ الصَّانِعِ بِالْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ فَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ وَيَتَيَقَّنَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ أَحَدٌ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ مُحْتَوٍ عَلَى الْمُلْكِ، مُحِيطٌ بِالْأَشْيَاءِ، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ، وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ بَلْ يُقَالُ: إِنَّهُ فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا قَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَيَنْبَغِي إِطْلَاقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ.
وَكَوْنُهُ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ مَذْكُورٌ فِي كُلِّ كِتَابٍ أُنْزِلَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أُرْسِلَ بِلَا كَيْفٍ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الْأَوَّلُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَةِ وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّةُ بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابُهُ وَأَخْبَرَتْ رُسُلُهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَنَّ اسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ حَقِيقَةٌ وَخُصَّ عَرْشُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَخْلُوقَاتِهِ، وَإِنَّمَا جَهِلُوا كَيْفِيَّةَ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَقِيقَةُ كَيْفِيَّتِهِ.
قُلْتُ: أَرَادَ بِالْجِهَةِ إِثْبَاتَ الْعُلُوِّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَمَّا لَفْظُ الْجِهَةِ فَلَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الْعُلُوِّ إِثْبَاتُهَا؛ لِأَنَّ الْعَرْشَ سَقْفُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ فَمَا فَوْقَهُ لَا يُسَمَّى جِهَةً وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الْعُلُوِّ إِثْبَاتُ الْجِهَةِ فَلَازِمُ الْحَقِّ حَقٌّ، فَمَا اسْتَلْزَمَهُ صَرِيحُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فَهُوَ حَقٌّ بِلَا خِلَافٍ عِنْدِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَقِيدَةِ الْوَاسِطِيَّةِ بَعْدَ سَرْدِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ في الصفات:فصل:وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ الْإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ وَتَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ مِنْ أَنَّهُ سبحانه فوق سمواته عَلَى عَرْشِهِ عَلِيٌّ عَلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا، يَعْلَمُ مَا هُمْ عَامِلُونَ، كَمَا جَمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ فَإِنَّ هَذَا لَا تُوجِبُهُ اللُّغَةُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَخِلَافُ مَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْخَلْقَ، بَلِ الْقَمَرُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مِنْ أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ مَعَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِ الْمُسَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ رَقِيبٌ عَلَى خَلْقِهِ مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَكُلُّ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَعَنَا حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَحْرِيفٍ وَلَكِنْ يُصَانُ عَنِ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ مِثْلَ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ {فِي السَّمَاءِ} أَنَّ السَّمَاءَ تُقِلُّهُ أَوْ تُظِلُّهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَهُوَ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا، وَيُمْسِكَ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ.
وَمُصَنَّفَاتُ هَذَا الْإِمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ الْقَيِّمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الِانْتِصَارِ لِمُعْتَقَدِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ قَدْ طَبَّقَتِ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ، وَلَوْ ذَهَبْنَا نَذْكُرُ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَاحْتَجْنَا إِلَى عِدَّةِ أَسْفَارٍ بَلْ إِلَى عِدَّةِ أَحْمَالٍ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ.
وَنَحْنُ نُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى وَحَمْلَةَ عَرْشِهِ وَجَمِيعَ مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وَجَمِيعَ خَلْقِهِ أَنَّا نُثْبِتُ لِرَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ وَأَثْبَتَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ سَلَفًا وَخَلَفًا مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَمِمَّنْ لَمْ نَذْكُرْ مِنْ أَنَّ رَبَّنَا وإلهنا فوق سمواته عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا هُمْ عَلَيْهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، وَاسْتِوَاؤُهُ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَنَاهُ وَأَرَادَهُ كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِ رَبِّنَا وعظمته، لا تتكلف لِذَلِكَ تَأْوِيلًا وَلَا تَكْيِيفًا بَلْ نَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ، وَآمَنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَطْلُبُ إِمَامًا غَيْرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا نَتَخَطَّاهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا وَلَا نَتَجَاوَزُ مَا جَاءَ فِيهِمَا، فَنَنْطِقُ بِمَا نَطَقَا بِهِ وَنَسْكُتُ عَمَّا سَكَتَا عَنْهُ وَنَسِيرُ سَيْرَهُمَا حَيْثُ سَارَا وَنَقِفُ مَعَهُمَا حَيْثُ وَقَفَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
٣٥
٣٦
القرب والمعيةلا ينافي العلو والفوقية
وَمَعَ ذَا مُطَّلِعٌ إِلَيْهِمُو
*
بعلمه مهيمن عليهمو
وَذِكْرُهُ لِلْقُرْبِ وَالْمَعِيَّهْ
*
لَمْ يَنْفِ لِلْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّهْ
فَإِنَّهُ الْعَلِيُّ فِي دُنُوِّهِ
*
وَهْوَ الْقَرِيبُ جَلَّ فِي عُلُوِّهِ
(وَمَعَ ذَا) الِاتِّصَافِ بِالْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَالْمُبَايَنَةِ مِنْهُ لِخَلْقِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهُوَ
(مُطَّلِعٌ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
(إِلَيْهِمُو) الْوَاوُ لِلْإِشْبَاعِ
(بِعِلْمِهِ) الْمُحِيطِ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، كَمَا جَمَعَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 5-7]
، فَجَمَعَ تَعَالَى بَيْنَ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَبَيْنَ عِلْمِهِ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَكَذَلِكَ جَمَعَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الْحَدِيدِ: 3]
، وَهُوَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَالْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ، هَكَذَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
وَكَذَلِكَ جَمَعَ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الْحَدِيدِ: 4]
، وَكَذَلِكَ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي حَدِيثِ الْأَوْعَالِ إِذْ يَقُولُ: «وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، وَهُوَ إِجْمَاعُ الْمُؤْمِنِينَ.
(مُهَيْمِنٌ) رَقِيبٌ
(عَلَيْهِمُو) بِوَاوِ الْإِشْبَاعِ
(وَذِكْرُهُ) تَبَارَكَ وَتَعَالَى
(لِلْقُرْبِ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [الْبَقَرَةِ: 186]
، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عنق راحلته».
(و) كذلك ذِكْرُهُ
(الْمَعِيَّهْ) الْعَامَّةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [الْمُجَادَلَةِ: 7]
، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الْحَدِيدِ: 4]
، وَكَذَا الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النَّحْلِ: 128]
، وَقَوْلِهِ: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الْأَنْفَالِ: 46]
، وَقَوْلِهِ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]
، وَقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التَّوْبَةِ: 40]
، كُلُّ ذَلِكَ
(لَمْ يَنْفِ الْعُلُوَّ) الْمَذْكُورَ فِي النُّصُوصِ السَّابِقَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ- إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ- وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ- تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ- يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ.
(وَالْفَوْقِيَّهْ) عَطْفٌ عَلَى الْعُلُوِّ وَهُوَ رَدِيفُهُ فِي الْمَعْنَى أَيْ: وَلَمْ يَنْفِ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الْأَنْعَامِ: 18]
، وَقَوْلَهُ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النَّحْلِ: 50]
، وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ» بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قُرْبِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ عُلُوِّهِ
(فَإِنَّهُ) هُوَ
(العلي) المتصف بجمع مَعَانِي الْعُلُوِّ ذَاتًا وَقَهْرًا وَشَأْنًا
(فِي دُنُوِّهِ) فَيَدْنُو تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ.
وَيَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَيْفَ شَاءَ، وَيَأْتِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِفَوْقِيَّتِهِ فَوْقَ عِبَادِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَاتِهِ وَلَا صِفَاتِهِ وَلَا أَفْعَالِهِ وَمَعِيَّتُهُ الْعَامَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} مَعْنَاهَا إِحَاطَتُهُ بِهِمْ عِلْمًا وَقُدْرَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ السِّيَاقِ وَآخِرُهُ، وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَعِيَّتُهُ الْخَاصَّةُ لِأَحْبَابِهِ وَأَوْلِيَائِهِ فَتِلْكَ غَيْرُ الْمَعِيَّةِ الْعَامَّةِ، فَهُوَ مَعَهُمْ بِالْإِعَانَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَجْفُو عِبَارَةُ الْمَخْلُوقِ عَنْهُ، وَيَقْصُرُ تَعْرِيفُهُ دُونَهُ، وَكَفَاكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ: «وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا».
وفي بعض الرواية «وَقَلْبَهُ الَّذِي يَعْقِلُ بِهِ وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ» وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ جَوَارِحَ لِلْعَبْدِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ مَنِ اجْتَهَدَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْفَرَائِضِ ثُمَّ بِالنَّوَافِلِ قَرَّبَهُ إِلَيْهِ وَرَقَّاهُ مِنْ دَرَجَةِ الْإِيمَانِ إِلَى دَرَجَةِ الْإِحْسَانِ فَيَصِيرُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى الْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ، كأنه يراه فيمتلىء قَلْبُهُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَخَوْفِهِ وَمَهَابَتِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالْأُنْسِ بِهِ وَالشَّوْقِ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ هَذَا الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ مُشَاهَدًا لَهُ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ.
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَحِبُّوا اللَّهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ» فَمَتَى امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَحَا ذَلِكَ مِنَ الْقَلْبِ كُلَّ مَا سِوَاهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ، وَلَا إِرَادَةٌ إِلَّا لِمَا يُرِيدُ مِنْهُ مَوْلَاهُ.
فَحِينَئِذٍ لَا يَنْطِقُ الْعَبْدُ إِلَّا بِذِكْرِهِ وَلَا يَتَحَرَّكُ إِلَّا بِأَمْرِهِ، فَإِنْ نَطَقَ نَطَقَ بِاللَّهِ، وَإِنْ سَمِعَ سَمِعَ بِهِ، وَإِنْ نَظَرَ نَظَرَ بِهِ، وَإِنْ بَطَشَ بَطَشَ بِهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا».
وَمَنْ أَشَارَ إِلَى غَيْرِ هَذَا فَإِنَّمَا يُشِيرُ إِلَى الْإِلْحَادِ مِنَ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ.
(وَهُوَ الْقَرِيبُ جَلَّ فِي عُلُوِّهِ) فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ عَالٍ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ يُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَاهُ.
وَيَعْلَمُ سِرَّهُ وَنَجْوَاهُ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى دَاعِيهِ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ.
وَيَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.
فَإِنَّ الَّذِي عِنْدَ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ أَوْ عِنْدَ حَبْلِ وَرِيدِهِ لَا يَعْلَمُ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ وَيَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَيَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَهُوَ مَعَ خَلْقِهِ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ، فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وَبِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْقَرِيبُ فِي عُلُوِّهِ، الْعَلِيُّ فِي دُنُوِّهِ وهو الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
حي وقيوم لا يَنَامُ
*
وَجَلَّ أَنْ يُشْبِهَهُ الْأَنَامُلَا
تَبْلُغُ الْأَوْهَامُ كُنْهَ ذَاتِهِ
*
وَلَا يُكَيِّفُ الْحِجَا صِفَاتِهِ
٣٦
٣٧
حي لا يموت
(حَيٌّ) لَا يَمُوتُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الْفُرْقَانِ: 58]
، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فَهُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَمْ تُسْبَقُ حَيَاتُهُ بِالْعَدَمِ وَلَمْ تُعْقَبْ بِالْفَنَاءِ، هُوَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ».
٣٧
٣٨
القيوم بنفسه القيم لغيره
(وَقَيُّومٌ) فَهُوَ الْقَيُّومُ بِنَفْسِهِ الْقَيِّمُ لِغَيْرِهِ فَجَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا وَلَا قِوَامَ لَهَا إِلَّا بِهِ وَلَا قِوَامَ لَهَا بِدُونِ أَمْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} وَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالْقَائِمُ بِجَمِيعِ أُمُورِ عِبَادِهِ وَالْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ».
الْحَدِيثَ.
وَقَدْ جَمَعَ تَعَالَى بَيْنَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ:
(الْحَيِّ الْقَيُّومِ) فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ الْأَوَّلُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الْبَقَرَةِ: 255]
، الثَّانِي: أَوَّلُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آلِ عِمْرَانَ: 1-2]
، الثَّالِثُ فِي سُورَةِ طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111]
، وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: «اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي ثَلَاثِ سُوَرٍ: سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطه».
(فَلَا يَنَامُ) أَيْ: لَا يَعْتَرِيهِ نَقْصٌ وَلَا غَفْلَةٌ وَلَا ذُهُولٌ عَنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ فِي حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ، وَلِهَذَا أَرْدَفَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ بِنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ فَقَالَ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [الْبَقَرَةِ: 255]
، أَيْ: لَا تَغْلِبُهُ سِنَةٌ وَهُوَ الْوَسَنُ وَالنُّعَاسُ، وَلَا نَوْمٌ وَنَفْيُهُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنَ السِّنَةِ، بَلْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ-أَوِ النَّارُ- لَوْ كُشِفَتْ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ».
(وَجَلَّ) عَنْ
(أَنْ يُشْبِهَهُ الْأَنَامُ) فِي ذَاتِهِ أَوْ أَسْمَائِهِ أَوْ صِفَاتِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ لِأَنَّ الصِّفَاتِ تَابِعَةٌ لِمَوْصُوفِهَا فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ لَا تُشْبِهُ الذَّوَاتِ فَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ لَا تُشْبِهُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَلَوِ اهْتَدَى الْمُتَكَلِّمُونَ لِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هَدَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَمَا نَفَوْا عَنِ اللَّهِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَا عَطَّلُوهُ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ فِرَارًا بِزَعْمِهِمْ مِنَ التَّشْبِيهِ فَوَقَعُوا فِي أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَلَزِمَهُمْ أَضْدَادُ مَا نَفَوْهُ مِنَ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَسَبَبُ ضَلَالِهِمْ أَنَّهُمْ تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّهَمُوا الْوَحْيَيْنِ فِيمَا نَطَقَا بِهِ وَوَزَنُوهُمَا بِعُقُولِهِمُ السَّخِيفَةِ وَأَذْهَانِهِمُ الْبَعِيدَةِ وَقَوَانِينِهِمُ الْفَاسِدَةِ الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَا مِنْ عُلُومِ الْإِسْلَامِ فِي ظِلٍّ وَلَا فَيْءٍ، وَإِنَّمَا هِيَ أَوْضَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ أَدْخَلَهَا الْأَعَادِي عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِقَصْدِ إِظْهَارِ الْفَسَادِ وَلِغَرْسِ شَجَرَةِ الْإِلْحَادِ الْمُثْمِرَةِ تَعْطِيلَ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَعُلُوِّهِ وَاعْتِقَادِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ.
جَاءُوا بِهَا فِي قَالَبِ التَّنْزِيهِ
*
لِلَّهِ كَيْ يُغْوُونَ كُلَّ سَفِيهِ
قَالُوا صِفَاتُ كَمَالِهِ مَنْفِيَّةٌ
*
عَنْهُ مَخَافَةَ مُوجَبِ التَّشْبِيهِ
تَعْطِيلُهُمْ سَمَّوْهُ تَنْزِيهًا لَهُ
*
لِيُرَوِّجُوا فَاعْجَبْ لِذَا التَّمْوِيهِ
وَالْوَحْيُ قَالُوا نَصُّهُ لَا يُوجِبُ
*
الْعِلْمَ الْيَقِينَ فَأَيُّ دِينٍ فِيهِمَا
الدِّينُ إِلَّا مَا عَنِ الْيُونَانَ قَدْ
*
جِئْنَا بِهِ طُوبَى لِمَنْ يَحْوِيهِ
نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ
*
وَبَقُوا حَيَارَى فِي ضَلَالِ التِّيهِ
فَسَمَّوُا النُّورَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَتِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ، وَبَيَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ الَّتِي اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهَا فَسَمَّوْا ذَلِكَ كُلَّهُ
(آحَادًا ظَنِّيَّةً لَا تُفِيدُ الْيَقِينَ)، وَسَمَّوْا زَخَارِفَ أَذْهَانِهِمْ وَوَسَاوِسَ شَيْطَانِهِمْ
(قَوَاطِعَ عَقْلِيَّةً)، لَا وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا خَيَالَاتٌ وَهْمِيَّةٌ وَوَسَاوِسُ شَيْطَانِيَّةٌ، هِيَ مِنَ الدِّينِ بَرِيئَةٌ وَعَنِ الْحَقِّ أَجْنَبِيَّةٌ، تُوجِبُ الْحَيْرَةَ وَتُعْقِبُ الْحَسْرَةَ كَثِيرَةُ الْمَبَانِي قَلِيلَةُ الْمَعَانِي كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً، وَيَا لَيْتَهُ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا لَكِنْ وَجَدَهُ السُّمَّ النَّقِيعَ وَالدَّاءَ الْعُضَالَ، فِخَاخَ هَلَكَةٍ نَصَبَهَا الْأَعْدَاءُ لِاصْطِيَادِ الْأَغْبِيَاءِ، وَخُدْعَةَ مَاكِرٍ فِي صُورَةِ نَاصِحٍ فِعْلَ عَدُوِّ اللَّهِ اللَّعِينِ فِي قِصَّتِهِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِي دَلَالَتِهِمَا عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَاهُمَا رَبُّهُمَا عَنْهَا: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الْأَعْرَافِ: 21-22]
، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ.
وَكَذَلِكَ كُتُبُ الْكَلَامِ وَالْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ أَدْخَلَهُ الْأَعْدَاءُ عَلَيْنَا وَسَمَّوْهُ عِلْمَ التَّوْحِيدِ تَلْبِيسًا وَتَمْوِيهًا وَمَا هُوَ إِلَّا سُلَّمُ الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ، وَجَحَدُوا صِفَاتِ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ وَسَمَّوْا ذَلِكَ تَنْزِيهًا لِيُغْرُوا الْجُهَّالَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ التَّعْطِيلِ.
وَسَمَّوْا أَوْلِيَاءَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عَرَفُوهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مُشَبِّهَةً لِيُنَفِّرُوا النَّاسَ عَنْهُمْ مَكْرًا وَخَدِيعَةً فَأَصْبَحَ الْمَغْرُورُ بِقَوْلِهِمُ الْمَخْدُوعُ بِمَكْرِهِمْ حَائِرًا مَخْذُولًا لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَزَلُوا كِتَابَ اللَّهِ عَنِ الْبَيَانِ وَحَكَّمُوا عُقُولَهُمُ السَّخِيفَةَ فِي نُصُوصِ صِفَاتِ الدَّيَّانِ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهَا إِلَّا مَا يَقُومُ بِالْمَخْلُوقِ مِنَ الْجَوَارِحِ وَالْأَدَوَاتِ الَّتِي مَنَحَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا وَمَتَى شَاءَ سَلَبَهُ، وَلَمْ يَنْظُرُوا الْمُتَّصِفَ بِهَا مَنْ هُوَ، فَلِذَلِكَ نَفَوْهَا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْ إِثْبَاتِهَا التَّشْبِيهُ فَشَبَّهُوا أَوَّلًا وَعَطَّلُوا ثَانِيًا، فَلَمَّا نَفَوْا عَنِ اللَّهِ صِفَاتِ كَمَالِهِ لَزِمَهُمْ إِثْبَاتُ ضِدِّهَا وَهُوَ النَّقَائِصُ، فَمَنْ نَفَى عَنِ اللَّهِ كَوْنَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا فَقَدْ شَبَّهَهُ بِمَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي شَيْئًا وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ أَثْبَتُوا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَ، فَجَمِيعُ صِفَاتِهِ صِفَاتُ كَمَالٍ وَجَلَالٍ تَلِيقُ بِعَظَمَةِ ذَاتِهِ وَنَفْيُهَا ضِدُّ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ اتِّفَاقِ التَّسْمِيَةِ اتِّفَاقُ الْمُسَمَّيَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى نَفْسَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ جَعَلَ الْإِنْسَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَسَمَّى نَفْسَهُ الرَّءُوفَ الرَّحِيمَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، وَسَمَّى نَفْسَهُ الْمَلِكَ فَقَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، {مَلِكِ النَّاسِ} وَسَمَّى بَعْضَ خَلْقِهِ مَلِكًا فَقَالَ: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يُوسُفَ: 54]
، وَهُوَ الْعَزِيزُ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ عَزِيزًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ اتِّفَاقِ التَّسْمِيَةِ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ وَمُقْتَضَيَاتِهَا، فَلَيْسَ السَّمْعُ كَالسَّمْعِ وَلَا الْبَصَرُ كَالْبَصَرِ وَلَا الرَّأْفَةُ كَالرَّأْفَةِ وَلَا الرَّحْمَةُ كَالرَّحْمَةِ وَلَا الْعِزَّةُ كَالْعِزَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمَخْلُوقُ كَالْخَالِقِ وَلَا الْمُحْدَثُ الْكَائِنُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَالْأَوَّلِ الْآخِرِ الظَّاهِرِ الْبَاطِنِ، وَلَيْسَ الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنِ الْقِيَامِ بِنَفْسِهِ كَالْحَيِّ الْقَيُّومِ الْغَنِيِّ عَمَّا سِوَاهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، فَصِفَاتُ الْخَالِقِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ قَائِمَةٌ بِهِ لَائِقَةٌ بِجَلَالِهِ أَزَلِيَّةٌ بِأَزَلِيَّتِهِ دَائِمَةٌ بِدَيْمُومِيَّتِهِ، لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهَا وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ، لَمْ تُسْبَقْ بِضِدٍّ وَلَمْ تُعْقَبْ بِهِ بَلْ لَهُ تَعَالَى الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ أَوَّلًا وَأَبَدًا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشُّورَى: 42]
، فَمَنْ شَبَّهَ اللَّهَ تَعَالَى بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ وَمَنْ نَفَى عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَرَسُولُهُ تَشْبِيهٌ.
(لَا تَبْلُغُ الْأَوْهَامُ كُنْهَ ذَاتِهِ) أَيْ: نِهَايَةَ حَقِيقَتِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 20]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [الْبَقَرَةِ: 255]
، وَإِنَّمَا نَعْرِفُهُ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى رُسُلِهِ بِأَنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الْإِخْلَاصِ: 3-4]
، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [الْبَقَرَةِ: 255]
، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الْحَشْرِ: 22]
، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الْحَشْرِ: 23]
، {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْحَشْرِ: 24]
، {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الْحَدِيدِ: 3]
، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
(وَلَا يُكَيِّفُ الْحِجَا) أَيِ: الْعَقْلُ
(صِفَاتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَيُّهَا الْعَبِيدُ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَإِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ وَاعْتِقَادُ أَنَّهَا حَقٌّ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْبَرَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَمُ التَّكْيِيفِ وَالتَّمْثِيلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهَا فَنُصَدِّقُ الْخَبَرَ وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَكِلُ الْكَيْفِيَّةَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَصِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى مِنَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ صِفَاتُ أَفْعَالِهِ مِنَ الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَالنُّزُولِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَالْمَجِيءِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلُّهَا حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهَا عَلِمْنَا اتِّصَافَهُ تَعَالَى بِهَا بِمَا عَلِمْنَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَابَ عَنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ كَيْفِيَّتُهَا وَلَمْ يُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا كَمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَرَبِيعَةُ الرَّأْيِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ وَمِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّصْدِيقُ وَالتَّسْلِيمُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَكَالُّونَ حَائِرُونَ فِي كَيْفِيَّةِ سِرَايَةِ الدَّمِ فِي أَعْضَائِنَا وَجَرَيَانِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِينَا وَكَيْفَ يُدَبِّرُ اللَّهُ تَعَالَى قُوتَ كُلِّ عُضْوٍ فِيهِ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ، وَفِي اسْتِقْرَارِ الرُّوحِ الَّتِي هِيَ بَيْنَ جَنْبَيْنَا وَكَيْفَ يَتَوَفَّاهَا اللَّهُ فِي مَنَامِهَا وَتَعْرُجُ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَرُدُّهَا إِذَا شَاءَ، وَكَيْفِيَّةِ إِقْعَادِ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ وَنَعِيمِهِ، وَكَيْفِيَّةِ قِيَامِ الْأَمْوَاتِ مِنَ الْقُبُورِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا وَكَيْفِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ وَعِظَمِ خَلْقِهِمْ؛ فَكَيْفَ الْعَرْشُ الَّذِي لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، كُلُّ ذَلِكَ نَجْهَلُ كَيْفِيَّتَهُ وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِيمَانًا بِالْغَيْبِ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمِ الْكَيْفِيَّةَ فَكَيْفَ بِالْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وصفاته العلى، ولله الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وله الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ آمنا بالله ونشهد بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ.
٣٨
٣٩
٣٩
انفراده عز وجل بالارادة والمشيية
بَاقٍ فَلَا يَفْنَى وَلَا يَبِيدُ
*
وَلَا يَكُونُ غَيْرُ مَا يُرِيدُ
مُنْفَرِدٌ بِالْخَلْقِ وَالْإِرَادَهْ
*
وَحَاكِمٌ-جَلَّ- بِمَا أَرَادَهْ
(بَاقٍ) كَمَا أَنَّهُ الْأَوَّلُ بِلَا ابْتِدَاءٍ فَهُوَ الْبَاقِي بِلَا انْتِهَاءٍ، كَمَا لَا ابْتِدَاءَ لِأَوَّلِيَّتِهِ كَذَلِكَ لَا انْتِهَاءَ لِآخِرِيَّتِهِ
(فَلَا يَفْنَى وَلَا يَبِيدُ) بَلْ هُوَ الْمُفْنِي الْمُبِيدُ وَهُوَ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 88]
، وَقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرَّحْمَنِ: 26-27]
(وَلَا يَكُونُ) فِي الْكَوْنِ
(غَيْرُ مَا يُرِيدُ) وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ هُنَا الْإِرَادَةُ الْقَدَرِيَّةُ الْكَوْنِيَّةُ الَّتِي لَا بُدَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا مَحِيصَ وَلَا مَحِيدَ لِأَحَدٍ عَنْهَا وَهِيَ مَشِيئَةُ اللَّهِ الشَّامِلَةُ وَقُدْرَتُهُ النَّافِذَةُ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَلَا نُفُوذَ لِإِرَادَةِ أَحَدٍ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ، وَمَا مِنْ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَلَوْ شَاءَ عَدَمَ وُقُوعِهَا لَمْ تَقَعْ، وَوُرُودُ ذَلِكَ فِي نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعْلُومٌ كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [الْبُرُوجِ: 16]
، {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الْكَهْفِ: 82]
، {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 16]
، وَهَذَا الْأَمْرُ الْقَدَرِيُّ الْكَوْنِيُّ غَيْرُ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفِسْقِ شَرْعًا وَلَا يُحِبُّ الْفَاسِقِينَ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرُ تَكْوِينٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفِسْقَ عِلَّةُ
(حَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) وَ
(حَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) عِلَّةٌ لِتَدْمِيرِهِمْ وَهَكَذَا الْأَمْرُ سَبَبٌ لِفِسْقِهِمْ وَمُقْتَضٍ لَهُ وَذَلِكَ هُوَ أَمْرُ التَّكْوِينِ، وَقَالَ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [الْبَقَرَةِ: 185]
، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]
، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [الْمَائِدَةِ: 41]
، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [الْمَائِدَةِ: 41]
، وَقَوْلُ نُوحٍ لِقَوْمِهِ: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هُودٍ:34]
، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الْأَنْعَامِ: 125]
، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} [الرَّعْدِ: 11]
، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ}، {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [الْمَائِدَةِ: 17]
، {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الْأَحْزَابِ: 17]
، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} [الْفَتْحِ: 11]
، وَقَوْلُهُ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ} [آلِ عِمْرَانَ: 176]
، وَقَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الْإِسْرَاءِ: 18]
، وَقَوْلُ صَاحِبِ يس: {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ} [يس: 23]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [الزُّمَرِ: 38]
، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»، «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خيرا يصب به»، «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ أُمَّةٍ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَاكِهَا»، «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يُوَافَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ قَبْضَ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً»، «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ بَابَ الرِّفْقِ» «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى نِيَّاتِهِمْ» وَالْآثَارُ النَّبَوِيَّةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ
(الْمَشِيئَةِ) فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وُرُودُهُ مَعْلُومٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الْبَقَرَةِ: 253]
، وَقَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 40]
، وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الْأَنْعَامِ: 137]
، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يُونُسَ: 99]
، {لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هُودٍ: 118]
، {لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرعد: 31]
، {لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الْأَنْعَامِ: 35]
، {لَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السَّجْدَةِ: 13]
، {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 4]
، {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الْإِسْرَاءِ: 86]
، {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} [الشُّورَى: 24]
، {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النِّسَاءِ: 133]
، {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الْفَتْحِ: 27]
، {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ} [هُودٍ: 33]
، وَقَوْلُهُ عَنْ إِمَامِ الْحُنَفَاءِ: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الْأَنْعَامِ: 80]
، وَقَوْلُهُ عَنِ الذَّبِيحِ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصَّافَّاتِ: 102]
، وَقَوْلُهُ عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الْأَعْرَافِ: 98]
، وَقَوْلُهُ عَنْ يُوسُفَ: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يُوسُفَ: 99]
، وَقَوْلُهُ عَنْ مُوسَى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} [الْكَهْفِ: 69]
، وَقَوْلُهُ عَنْ قَوْمِ مُوسَى: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [الْبَقَرَةِ: 70]
، وَقَوْلُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْكَهْفِ: 24]
، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [يُونُسَ: 49]
، وَقَالَ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هُودٍ: 107]
، وَعَنْ أَهْلِ النَّارِ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} [الْإِسْرَاءِ: 54]
، وَقَالَ: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [الْمَائِدَةِ: 40]
، وَقَالَ: {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشُّورَى: 27]
، وَقَالَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الْإِسْرَاءِ: 30]
، وَقَالَ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرَّعْدِ: 39]
، وَقَالَ: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يُونُسَ: 16]
، وَقَالَ: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} [الْإِنْسَانِ: 28]
، وَقَالَ: {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْمُدَّثِّرِ: 56]
، وَقَالَ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْإِنْسَانِ: 30]
، فَأَخْبَرَ أَنَّ مَشِيئَتَهُمْ وَفِعْلَهُمْ مَوْقُوفَانِ عَلَى مَشِيئَتِهِ لَهُمْ هَذَا وَهَذَا.
وَقَالَ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 26]
، وَقَالَ: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الْأَحْزَابِ: 24]
، وَقَالَ: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 74]
، وَقَالَ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النُّورِ: 21]
، وَقَالَ: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 261]
، وَقَالَ: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} [يُوسُفَ: 56]
، وَقَالَ: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يُوسُفَ: 76]
، وَقَالَ: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [يُوسُفَ: 56]
، وَقَالَ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إِبْرَاهِيمَ: 11]
، وَقَالَ: {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110]
، وقال: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ} [الرُّومِ: 48]
، وَقَالَ: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يُوسُفَ: 100]
، وَقَالَ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 299]
، وَقَالَ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66]
، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} [الْبَقَرَةِ: 20]
، وَقَالَ: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشُّورَى: 33]
، وَقَالَ: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الْوَاقِعَةِ: 65]
، {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الْوَاقِعَةِ: 70]
، وَقَالَ: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} [التَّوْبَةِ: 28]
، وَقَالَ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فَاطِرٍ: 16]
، {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ} [الْأَنْعَامِ: 133]
، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 22]
، {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ} [الشُّورَى: 13]
، {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 261]
، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الْقَصَصِ: 68]
، {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشُّورَى: 49]
، {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} [الشُّورَى: 52]
، {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: 6]
، {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الِانْفِطَارِ: 8]
، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إِبْرَاهِيمَ: 11]
، {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} [الشُّورَى: 19]
، {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الْقَصَصِ: 82]
، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ سَاقَ نَحْوًا مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ: وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَنَحْوُهَا تَتَضَمَّنُ الرَّدَّ عَلَى طَائِفَتَيِ الضَّلَالِ نُفَاةِ الْمَشِيئَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَنُفَاةِ مَشِيئَةِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَحَرَكَاتِهِمْ وَهُدَاهُمْ وَضَلَالِهِمْ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُخْبِرُ تَارَةً أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ بِمَشِيئَتِهِ، وَتَارَةً أَنَّ مَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَتَارَةً أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَكَانَ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَكَانَ خِلَافُ الْقَدَرِ الَّذِي قَدَّرَهُ وَكَتَبَهُ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ مَا عُصِيَ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَمَعَ خَلْقَهُ عَلَى الْهُدَى وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِعَ بِمَشِيئَتِهِ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَقَعْ فَهُوَ لِعَدَمِ مَشِيئَتِهِ وَهَذَا حَقِيقَةُ الرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ {رَبَّ الْعَالَمِينَ} وَكَوْنِهِ الْقَيُّومَ الْقَائِمَ بِتَدْبِيرِ أُمُورِ عِبَادِهِ، فَلَا خَلْقَ وَلَا رِزْقَ وَلَا عَطَاءَ وَلَا مَنْعَ وَلَا قَبْضَ وَلَا بَسْطَ وَلَا مَوْتَ وَلَا حَيَاةَ وَلَا ضَلَالَ وَلَا هُدَى وَلَا سَعَادَةَ وَلَا شَقَاوَةَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَتَكْوِينِهِ إِذْ لَا مَالِكَ غَيْرُهُ وَلَا مُدَبِّرَ سِوَاهُ وَلَا رب غيره.
وَالْأَحَادِيثُ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْمَشِيئَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ الْجَنِينِ: «فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ» وقوله: «اشفعوا تأجروا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ»، «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ»، «إِنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَمْ تَنَامُوا عَنْهَا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ لِيَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ»، «قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ»، «قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»، «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ»، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ» وَقَوْلُهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ» وَقَوْلُهُ: «مَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ صَمَّاءُ مُعْتَدِلَةٌ حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ»، وَقَوْلُهُ: «تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَحَائِبَ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ»، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَيْعَةِ: «ومن أصاب من ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ»، وَفِي حَدِيثِ احْتِجَاجِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ قَوْلُهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ» وَلِلنَّارِ: «أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ» وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ وَارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا مُكْرِهَ لَهُ» وَقَوْلُهُ: «وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ»، وَقَوْلُهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ أَفْعَلُ مَا أَشَاءُ، عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» وَقَوْلُهُ: «مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ نِعْمَةٍ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَيَرَى فِيهِ آيَةً دُونَ الْمَوْتِ» وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي» وَفِي حَدِيثِ «آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ»: «فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ» وَفِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: «لَا أَهْزَأُ بِكَ وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَدِيرٌ».
وَقَالَ: «فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي» وَقَالَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا أَحَدٌ»، وَقَالَ: «إِنِّي لَأَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ حَوْضِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى كَذَا» وَقَالَ فِي الْمَدِينَةِ: «لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»، وَفِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ»، وَفِي حِصَارِ الطَّائِفِ، «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، وَفِي قُدُومِهِ مَكَّةَ: «مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ»، وَفِي قِصَّةِ بَدْرٍ: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، وَفِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ: «إِنَّكُمْ تَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» وَقَالَ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ شَاءَ مَضَى وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ غَيْرَ حَنِثٍ» وَقَالَ: «لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» ثُمَّ قَالَ: فِي الثَّانِيَةِ: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ».
وَقَالَ: «أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ» فَقَالَ الصَّحَابَةُ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ» قَالُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ.
(مُنْفَرِدٌ) رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ
(بِالْخَلْقِ) فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا اللَّهُ خَالِقُهُ سُبْحَانَهُ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ فَهُوَ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ وَخَالِقُ الْكَافِرِ وَكُفْرِهِ وَالْمُؤْمِنِ وَإِيمَانِهِ وَالْمُتَحَرِّكِ وَحَرَكَتِهِ وَالسَّاكِنِ وَسُكُونِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزُّمَرِ: 62]
، وَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فَاطِرٍ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التَّغَابُنِ: 2]
، {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التَّغَابُنِ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصَّافَّاتِ: 96]
، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الرُّومِ: 40]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النَّحْلِ: 80-81]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُون وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الْوَاقِعَةِ: 58-74]
، وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَشْعَرِيِّينَ «مَا أَنَا أَحْمِلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ».
وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُصَوِّرِينَ «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرًا».
وَفِيهِ «مَنْ صَوَّرَ صورة كلف الله أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الصَّحِيحَةِ، فَلِلَّهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
(وَالْإِرَادَهْ) أَيْ: وَمُنْفَرِدٌ بِالْإِرَادَةِ فَلَا مُرَادَ لِأَحَدٍ مَعَهُ وَلَا إِرَادَةَ لِأَحَدٍ إِلَّا بَعْدَ إِرَادَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَشِيئَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [الْمُدَّثِّرِ: 54-56]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التَّكْوِيرِ: 27-29]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الْإِنْسَانِ: 29-31]
، فَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ مَشِيئَةٌ وَاللَّهُ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَمَشِيئَتِهِمْ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ وَلَا مَشِيئَةَ إِلَّا بِإِقْدَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ إِذَا شَاءَ وَأَرَادَ.
(وَحَاكِمٌ جَلَّ بِمَا أَرَادَهْ) فَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا رَادَّ لِإِرَادَتِهِ وَلَا مُنَاقِضَ لِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} بَلْ هُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}، {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} و{يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} و{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} لا ناقص لِمَا أَبْرَمَ وَلَا مُعَارِضَ لِمَا حَكَمَ، وَلَا يُقَالُ لِمَ فَعَلَ كَذَا وَهَلَّا كَانَ كَذَا لِأَنَّهُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 23]
، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي آخِرِهِ قَالَ: «ذَلِكَ بأني جواد واحد مَاجِدٌ أَفْعَلُ مَا أُرِيدَ، عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
٣٩
٤٠
معنى الاية {من يشا الله يضلله ومن يشا يجعله على صراط مستقيم}
فَمَنْ يَشَأْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهِ
*
وَمَنْ يَشَأْ أَضَلَّهُ بِعَدْلِهِ
فَمِنْهُمُ الشَّقِيُّ وَالسَّعِيدُ
*
وَذَا مُقَرَّبٌ وَذَا طَرِيدُ
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الْأَنْعَامِ: 59]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الْأَعْرَافِ: 178]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْأَعْرَافِ: 186]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ} [الْإِسْرَاءِ: 97]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الْكَهْفِ: 17]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فَاطِرٍ: 8]
، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الْأَنْعَامِ: 125]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرَّعْدِ: 27]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [الْقَصَصِ: 56]
، وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْبَقَرَةِ: 272]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يُونُسَ: 35]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [الْبَقَرَةِ: 120]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 73]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشَّمْسِ: 6]
، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ: «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، زَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا».
(فَمِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ عِبَادِهِ
(الشَّقِيُّ) وَهُوَ مَنْ أَضَلَّهُ بِعَدْلِهِ
(وَ) مِنْهُمْ
(السَّعِيدُ) وَهُوَ مَنْ وَفَّقَهُ وَهَدَاهُ بِفَضْلِهِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ
(وَذَا مُقَرَّبٌ) بِتَقْرِيبِ الله إياه إليه وَهُوَ السَّعِيدُ
(وَذَا طَرِيدُ) بِإِبْعَادِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَهُوَ الشَّقِيُّ الْبَعِيدُ، فَبِيَدِهِ تَعَالَى الْهِدَايَةُ وَالْإِضْلَالُ وَالْإِشْقَاءُ وَالْإِسْعَادُ، فَهِدَايَتُهُ الْعَبْدَ وَإِسْعَادُهُ فَضْلٌ وَرَحْمَةٌ، وَإِضْلَالُهُ وَإِبْعَادُهُ عَدْلٌ مِنْهُ وَحِكْمَةٌ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ مَحَلُّ الْهِدَايَةِ فَيَهْدِيهِ، وَمَنْ هُوَ مَحَلُّ الْإِضْلَالِ فَيُضِلُّهُ، وَهُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ، وَعَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، وَعَلِيمٌ بِالْمُهْتَدِينَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالشَّاكِرِينَ وَأَعْلَمُ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْحُجَّةُ الدَّامِغَةُ وَلِذَا نَقُولُ:لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ قَضَاهَا
*
يَسْتَوْجِبُ الْحَمْدَ عَلَى اقْتِضَاهَاأَيْ: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ مِنْ هِدَايَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَإِضْلَالِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَإِسْعَادِ مَنْ يَشَاءُ وَإِشْقَاءِ مَنْ يَشَاءُ، وَجَعْلِهِ أَئِمَّةَ الْهُدَى يَهْدُونَ إِلَى الْحَقِّ بِأَمْرِهِ وَأَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ يَهْدُونَ إِلَى النَّارِ، وَإِلْهَامِهِ كُلَّ نَفْسِ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، وَجَعْلِهِ الْمُؤْمِنَ مُؤْمِنًا وَالْكَافِرَ كَافِرًا عَاصِيًا مَعَ قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ الشَّامِلَةِ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ شَاءَ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى، وَلَوْ شَاءَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا وَلَكِنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ بِهِمْ مِنْ قِسْمَتِهِمْ إِلَى ضَالٍّ وَمُهْتَدٍ وَشَقِيٍّ وَسَعِيدٍ وَمُقَرَّبٍ وَطَرِيدٍ وَطَائِعٍ وَعَاصٍ وَمُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ وَمُوجَبُ رُبُوبِيَّتِهِ، وَحِكْمَتُهُ حِكْمَةُ حَقٍّ وَهِيَ صِفَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ، وَهِيَ مُتَضَمَّنُ اسْمِهِ
(الْحَكِيمِ) وَهِيَ الْغَايَةُ الْمَحْبُوبَةُ لَهُ وَلِأَجْلِهَا خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى وَأَسْعَدَ وَأَشْقَى وَمَنَعَ وَأَعْطَى وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْآخِرَةَ وَالْأُولَى، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْحَكِيمُ فِي خَلْقِهِ وَتَكْوِينِهِ الْحَكِيمُ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الْحَكِيمُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَجَمِيعِ شرعه، فإن أسمائه وَصِفَاتِهِ صِفَاتُ كَمَالٍ وَجَلَالٍ، وَأَفْعَالَهُ كُلَّهَا عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ، وَالْفِعْلُ لِغَيْرِ حِكْمَةٍ عَبَثٌ، وَالْعَبَثُ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ، فَجَمِيعُ مَا خَلَقَهُ وَقَضَاهُ وَقَدَّرَهُ خَيْرٌ وَحِكْمَةٌ مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا شَرَعَهُ وَأَمَرَ بِهِ كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَمَا كَانَ مِنْ شَرٍّ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَمِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى فِعْلِ الْعَبْدِ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ مَذْمُومَةٌ مَكْرُوهَةٌ لِلرَّبِّ غَيْرُ مَحْبُوبَةٍ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فَخَيْرٌ مَحْضٌ وَلِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَعَدْلٍ تَامٍّ وَغَايَةٍ مَحْمُودَةٍ لَا شَرَّ فِيهَا الْبَتَّةَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا قَصَّهُ عَنِ الْجِنِّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الْجِنِّ: 10]
، فَبَنَى الْفِعْلَ فِي إِرَادَةِ الشَّرِّ لِلْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرَّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ وَسْعَدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ والشر لَيْسَ إِلَيْكَ» فَنَفَى أَنْ يُضَافَ الشَّرُّ إِلَى اللَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ خَالِقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرًّا مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا كَانَ شَرًّا مِنْ جِهَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْعَبْدِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرَّ لَيْسَ إِلَّا السَّيِّئَاتِ وَعُقُوبَتَهَا، وَمُوجِبُ السَّيِّئَاتِ شَرُّ النَّفْسِ وَجَهْلُهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ الَّذِي عَلَّمَهُ أُمَّتَهُ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ»، وَقَالَ تَعَالَى فِي حِكَايَتِهِ اسْتِغْفَارَ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غَافِرٍ: 9]
، وَمَنْ وَقَاهُ اللَّهُ السَّيِّئَاتِ وَأَعَاذَهُ مِنْهَا فَقَدْ وَقَاهُ عُقُوبَتَهَا مِنْ بَابِ الِاسْتِلْزَامِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ مُوجِبَ السَّيِّئَاتِ هُوَ الظُّلْمُ وَالْجَهْلُ وَذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ وَهِيَ أُمُورٌ ذَاتِيَّةٌ لَهَا، وَأَنَّ السَّيِّئَاتِ هِيَ مُوجِبُ الْعُقُوبَةِ وَالْعُقُوبَةُ مِنَ اللَّهِ عَدْلٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ شَرًّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ أَلَمِهَا، وَذَلِكَ بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ جَزَاءً وِفَاقًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزُّخْرُفِ: 76]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يُونُسَ: 44]
، فَأَفْعَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّهَا خَيْرٌ بِصُدُورِهَا عَنْ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ وَغِنَاهُ الَّتِي هِيَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، فَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ أَعْطَاهُ مِنْ فَضْلِهِ عِلْمًا وَعَدْلًا وَحِكْمَةً فَيَصْدُرُ مِنْهُ الْإِحْسَانُ وَالطَّاعَةُ وَالْبِرُّ وَالْخَيْرُ، وَإِذَا أَرَادَ بِهِ شَرًّا أَمْسَكَهُ عَنْهُ وَخَلَّاهُ وَدَوَاعِيَ نَفْسِهِ وَطَبْعَهُ وَمُوجَبَهَا، فَصَدَرَ مِنْهُ مُوجَبُ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَقَبِيحٍ، وَلَيْسَ مَنْعُهُ لِذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ فَضْلُهُ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَلَيْسَ مَنْ مَنَعَ فَضْلَهُ ظَالِمًا وَلَا سِيَّمَا إِذَا مَنَعَهُ عَنْ مَحَلٍّ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَلِيقُ بِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْفَضْلَ هُوَ تَوْفِيقُهُ وَإِرَادَتُهُ تَعَالَى أَنْ يَلْطُفَ بِعَبْدِهِ وَيُعِينَهُ وَيُوَفِّقَهُ وَلَا يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَهَذَا مَحْضُ فِعْلِهِ وَفَضْلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الْأَنْعَامِ: 153]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 10-11]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الْأَنْعَامِ: 124]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [الْأَنْعَامِ: 116]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [النَّحْلِ: 37]
، وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النَّجْمِ: 30]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْبَقَرَةِ: 105]
، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التِّينِ: 7-8]
، بَلَى وَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ}-إِلَى قَوْلِهِ- {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آلِ عِمْرَانَ: 73-74]
، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النَّجْمِ: 32]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْحَدِيدِ: 28-29]
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ أَنْ تَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، آمِينَ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِرَحْمَتِكِ نَسْتَغِيثُ، اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
٤٠
٤١
ما يجب لله على عباده من الحمد على حكمته في خلقه وامره
(يَسْتَوْجِبُ) يَسْتَحِقُّ
(الْحَمْدَ عَلَى اقْتِضَاهَا) الضَّمِيرُ لِلْحِكْمَةِ فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، فَجَمِيعُ مَا يَفْعَلُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ هُوَ مُوجَبُ رُبُوبِيَّتِهِ وَمُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى طَاعَةِ الْعِبَادِ وَمَعَاصِيهِمْ وَإِيمَانِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى خَلْقِهِ الْأَبْرَارَ وَالْفُجَّارَ، وَعَلَى خَلْقِهِ الْمَلَائِكَةَ وَالشَّيَاطِينَ، وَعَلَى خَلْقِهِ الرُّسُلَ وَأَعْدَاءَهُمْ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى عَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي أَعْدَائِهِ، كَمَا هُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَكُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْكَوْنِ شَاهِدَةٌ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الْإِسْرَاءِ: 44]
، وَقَالَ: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التَّغَابُنِ: 1]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} [الْقَصَصِ: 98]
، {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 69- 70]
، وَعَلَّمَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» وَفِي الذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، وَفِي التَّلْبِيَةِ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ»، وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَكُ الْمُلْكُ كُلُّهُ وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، أَسْأَلُكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ» وَفِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ» الْحَدِيثَ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَكُونُ إِلَّا مَحْمُودًا كَمَا لَا يَكُونُ إِلَّا رَبًّا وَإِلَهًا، فَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي حَمْدِهِ كَمَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ مَحْمُودًا كَالرُّسُلِ وَالْعُلَمَاءِ فَمَرْجِعُ ذَلِكَ الحمد إليه، كما أَنَّ مَصْدَرَهُ وَمُوجِبَهُ مِنْهُ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُمْ كَذَلِكَ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ الْمَلِكُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَيَرْزُقُ بَعْضَ عِبَادِهِ إِذَا شَاءَ مُلْكًا وَهُوَ مَالِكُهُ وَمَلِكُهُ وَكَمَا أَنَّهُ الْعَلِيمُ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ فَيُعَلِّمُ بَعْضَ عِبَادِهِ مِنْ عِلْمِهِ مَا شَاءَ.
وَقَالَ فِي ذِكْرِ عَبْدِهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يُوسُفَ: 68]
، وَكَذَلِكَ مَا مِنْ مَحْمُودٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَذَلِكَ الْحَمْدُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَقِيقَةِ، فَحَمْدُ كُلِّ مَحْمُودٍ دَاخِلٌ فِي حَمْدِهِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مُلْكٍ دَاخِلٌ فِي مُلْكِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَمِنْهُ وَلَهُ وَإِلَيْهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
٤١
٤٢
التوفيق بين كون الله لا يحب الفساد وكون ذلك بمشييته
(مَسْأَلَةٌ): فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ وَبِمَا عَلَّمَنَا مِنْ صِفَاتِهِ أَنَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَيُحِبُّ الصَّابِرِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ وَلَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَلَا يُحِبُّ الْفَسَادَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ، فَمَا الْجَوَابُ؟ قُلْنَا: إِنَّ الْإِرَادَةَ وَالْقَضَاءَ وَالْأَمْرَ كُلٌّ مِنْهَا يَنْقَسِمُ إِلَى كَوْنِيٍّ وَشَرْعِيٍّ، وَلَفْظُ الْمَشِيئَةِ لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي الْكَوْنِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وَمِثَالُ الْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وَمِثَالُ الْقَضَاءِ الْكَوْنِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وَمِثَالُ الْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} فَهَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْإِرَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْأَمْرِ هُوَ مَشِيئَتُهُ الشَّامِلَةُ وَقُدْرَتُهُ النَّافِذَةُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ خُرُوجٌ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ عَنْهَا.
وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، بَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ وَالسَّيِّئَاتُ وَالطَّاعَاتُ، وَالْمَحْبُوبُ الْمَرْضِيُّ لَهُ وَالْمَكْرُوهُ الْمُبْغَضُ كُلُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَقَدَرِهِ وَخَلْقِهِ وَتَكْوِينِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مُخَالَفَتِهَا وَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا مِثْقَالُ ذَرَّةٍ.
وَمِثَالُ الْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}.
وَمِثَالُ الْقَضَاءِ الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وَمِثَالُ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ وَالْقَضَاءُ وَالْأَمْرُ الْكَوْنِيُّ الْقَدَرِيُّ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاهُ، فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَمَّا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ.
وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ هَذَا الْقِسْمِ وَمَا قَبْلُهُ إِلَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ الْمُطِيعِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَنْفَرِدُ فِي حَقِّهِ الْإِرَادَةُ وَالْقَضَاءُ وَالْأَمْرُ الْكَوْنِيُّ الْقَدَرِيُّ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَدْعُو عِبَادَهُ إِلَى طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ وَجَنَّتِهِ وَيَهْدِي لِذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ فِي الْكَوْنِ وَالْقَدَرِ هِدَايَتَهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَعَمَّمَ الدَّعْوَةَ إِلَى جَنَّتِهِ وَهِيَ دَارُ السَّلَامِ وَأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى ذَلِكَ جَمِيعَ عِبَادِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَجِيبُ مِمَّنْ لَا يَسْتَجِيبُ، وَخَصَّ الْهِدَايَةَ بِمَنْ يَشَاءُ هِدَايَتَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}.
٤٢
٤٣
لماذا لم يجعلهم كلهم طايعين مومنين مهتدين؟
(مَسْأَلَةٌ): فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ بِمُمْكِنٍ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُمْ كُلَّهُمْ طَائِعِينَ مُؤْمِنِينَ مُهْتَدِينَ؟ قُلْنَا: بَلَى وَقَدْ قَدَّمْنَا لَكَ جُمْلَةً وَافِيَةً مِنَ الْآيَاتِ وَالْآحَادِيثِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدَّمْنَا لَكَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ بِهِمْ هُوَ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَمُوجَبُ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ فَضْلِهِ وعدله، فحينئذ قول الْقَائِلُ لِمَ كَانَ مِنْ عِبَادِهِ الطَّائِعُ وَالْعَاصِي؟ كَقَوْلِ مَنْ قَالَ: لِمَ كَانَ مِنْ أَسْمَائِهِ الضَّارُّ النَّافِعُ وَالْمُعْطِي الْمَانِعُ وَالْخَافِضُ الرَّافِعُ وَالْمُنْعِمُ الْمُنْتَقِمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ إِذْ أَفْعَالُهُ تَعَالَى هِيَ مُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَآثَارُ صِفَاتِهِ، فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فِي أَفْعَالِهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بَلْ وَعَلَى إِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، فَسُبْحَانَ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يصفون، لا يسئل عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
٤٣
٤٤
ما الحكمة في تقدير السييات مع كراهة الله تعالى اياها؟
(مَسْأَلَةٌ): وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُوَسْوِسُ الشَّيْطَانُ لِبَعْضِ النَّاسِ فَيَقُولُ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ السَّيِّئَاتِ مَعَ كَرَاهَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهَا، وَهَلْ يَأْتِي الْمَكْرُوهُ بِمَحْبُوبٍ؟ فَنَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِيمَانًا بِإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَاسْتِسْلَامًا لِأَقْدَارِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَتَسْلِيمًا لِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، اعْلَمْ يَا أَخِي وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَبْدِ أَمْرٌ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ الْبَحْثِ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَالتَّسْلِيمُ لِأَقْدَارِهِ وَالْيَقِينُ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَالْفَرَحُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَسَائِرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا مَا عَلِمْنَاهُ وَلَا يُحِيطُ بِكُنْهِ شَيْءٍ مِنْهَا وَنِهَايَتِهِ إِلَّا الَّذِي اتَّصَفَ بِهَا وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَمِمَّا عَلِمْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا عَلَّمَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ السَّيِّئَةَ لِذَاتِهَا لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً لِلَّهِ وَلَا مَرْضِيَّةً كَمَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ نَهَى عِبَادَهُ عَنِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} وَلَكِنْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ مَحَابِّهِ وَمَرْضَاتِهِ مَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ إِمَّا فِي حَقِّ فَاعِلِهَا مِنَ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالْإِذْعَانِ وَالِاعْتِرَافِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالْخَوْفِ مِنْ عِقَابِهِ وَرَجَاءِ مَغْفِرَتِهِ وَنَفْيِ الْعَجَبِ الْمُحْبِطِ لِلْحَسَنَاتِ عَنْهُ، وَدَوَامِ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ وَتَمَحُّضِ الِافْتِقَارِ وَمُلَازَمَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالطَّاعَاتِ الْمَحْبُوبَةِ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَثْنَى فِي كِتَابِهِ عَلَى الْمُتَّصِفِينَ بِهَا غَايَةَ الثَّنَاءِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا فَقَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» أَخْرَجَاهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ كَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ رَبُّهُ وَإِلَهُهُ وَسَيِّدُهُ وَمَوْلَاهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَعَدَمُ مَحَبَّتِهَا وَالنَّفْرَةُ مِنْهَا، وَالِاجْتِهَادُ فِي كَفِّ النَّفْسِ عَنْهَا، وَأَطْرِهَا عَلَى مَحَابِّ اللَّهِ وَأَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهَا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ بِجَهْلِهَا وَشَرَارَتِهَا فَصَدَرَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ فَلْيُبَادِرْ إِلَى دَوَاءِ ذَلِكَ وَلْيَتَدَارَكْهُ بِمَحَابِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَرْضَاتِهِ مِنَ التَّوْبَةِ والإنابة والاستغفار والادكار وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَرْشَدَ إِلَى ذَلِكَ وَأَثْنَى عَلَى مَنِ اتَّصَفَ بِهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آلِ عِمْرَانَ 133- 136]
، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَأَتَى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» أَوْ كَمَا قَالَ.
فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِ السَّيِّئَةِ مِنْ فَاعِلِهَا هَذِهِ الْأُمُورُ الْمَحْبُوبَةُ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فَذَلِكَ غَايَةُ مَصْلَحَةِ الْعَبْدِ وَسَعَادَتِهِ وَفَلَاحِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ فَلِخُبْثِ نَفْسِهِ وَعَدَمِ صَلَاحِيَتِهَا لِلْمَلَأِ الْأَعْلَى وَمُجَاوَرَةِ الْمَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، وَحِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَرَائِضُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي هِيَ مِنْ وَظَائِفِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ الَّذِي هُوَ ذِرْوَةُ سَنَامِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ يَتَرَتَّبُ لِأَوْلِيَائِهِ الْفَتْحُ أَوِ الشَّهَادَةُ وَيَكْفِيكَ فِي فَضْلِ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التَّوْبَةِ: 111-112]
، وَلَوْ سَرَدْنَا مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ لَطَالَ الْفَصْلُ، وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ مِنَ الْخَوْضِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَسْنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَزِيدُ بَحْثٍ فِي هَذَا فِي بَابِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَهُنَاكَ نَذْكُرُ مَرَاتِبَهُ وَمَذَاهِبَ مَنْ خَالَفَ فِيهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
إِثْبَاتُ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
وَهْوَ الَّذِي يَرَى دَبِيبَ الذَّرِّ
*
فِي الظُّلُمَاتِ فَوْقَ صُمِّ الصَّخْرِ
وَسَامِعٌ لِلْجَهْرِ وَالْإِخْفَاتِ
*
بِسَمْعِهِ الْوَاسِعِ لِلْأَصْوَاتِ
فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ إِثْبَاتُ الْبَصَرِ لِلَّهِ تَعَالَى الْمُحِيطِ بِجَمِيعِ الْمُبْصَرَاتِ، وَإِثْبَاتُ السَّمْعِ لَهُ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِ الْمَسْمُوعَاتِ، وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ تَعَالَى وَهُمَا مُتَضَمَّنُ اسْمَيْهِ
(السَّمِيعِ الْبَصِيرِ) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النِّسَاءِ: 58]
، وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشُّورَى: 11]
، وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الْحَجِّ: 61]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الْكَهْفِ: 26]
.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وذلك في معنى الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ كَأَنَّهُ قِيلَ مَا أَبْصَرَهُ وَأَسْمَعَهُ، وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ مَا أَبْصَرَ اللَّهَ لِكُلِّ مَوْجُودٍ وَمَا أَسْمَعَهُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، ثُمَّ رَوَى عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} فَلَا أَحَدَ أَبْصَرَ مِنَ اللَّهِ وَلَا أَسْمَعَ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ}: يَرَى أَعْمَالَهُمْ وَيَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِنَّهُ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَيْ مَا أَبْصَرَ اللَّهَ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَأَسْمَعَهُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ أَيْ: لَا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ شَيْءٌ.
وَقَالَ تعالى لموسى وهرون عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَسْمَعُ دُعَاءَكُمَا فَأُجِيبُهُ وَأَرَى مَا يُرَادُ بِكُمَا فَأَمْنَعُهُ لَسْتُ بِغَافِلٍ عَنْكُمَا فَلَا تَهْتَمَّا.
وَقَالَ تَعَالَى لَهُمَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشُّورَى: 15]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزُّخْرُفِ: 80]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التَّوْبَةِ: 105]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [الْعَلَقِ: 14]
، وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشُّعَرَاءِ: 220]
، وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آلِ عِمْرَانَ: 181]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الْمُجَادَلَةِ: 1]
، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ تَعْلِيقًا، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: تَبَارَكَ الَّذِي أَوْعَى سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلَ مَالِي وَأَفْنَى شَبَابِي وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي حَتَّى إِذَا كَبُرَتْ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ.
قَالَتْ: فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} قَالَتْ: وَزَوْجُهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} وَذَكَرَ خَبَرَ عَائِشَةَ هَذَا مُعَلَّقًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا فَقَالَ: «أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا» ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَادَانِي قَالَ: إن الله قد سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ».
وَرُوِيَ فِي بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فُصِّلَتْ: 22]
، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ كَثِيرَةُ الشَّحْمِ بُطُونُهُمْ قَلِيلَةُ الْفَهْمِ قُلُوبُهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الْآيَةَ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَيْتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأها وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ.
قَالَ: ابْنُ يونس قال المقرىء يَعْنِي: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذَا رَدٌّ على الجهمية.
قُلْتُ: يَعْنِي أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ لَا يُثْبِتُونَ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا وَلَا صِفَةً مِمَّا سَمَّى وَوَصَفَ نَفْسَهُ تَعَالَى بِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَلَا أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى وَيُبْصِرُ، فِرَارًا بِزَعْمِهِمْ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالْمَخْلُوقِينَ فَنَزَّهُوهُ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَشَبَّهُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دَعْوَتِهِ أَبَاهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مَرْيَمَ: 42]
، وَقَدْ أَثْبَتَ الْجَهْمِيَّةُ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ حُجَّةً لِعُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَجَوَابًا لِإِنْكَارِ خَلِيلِ اللَّهِ وَجَمِيعِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ لِلْكُفَّارِ أَنْ يَقُولُوا: وَمَعْبُودُكُمْ أَيْضًا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: سَمِيعٌ بِلَا سَمْعٍ بَصِيرٌ بِلَا بَصَرٍ وَأَطْرَدُوا جَمِيعَ أَسْمَائِهِ هَكَذَا فَأَثْبَتُوا أَسْمَاءً وَنَفَوْا مَا تَتَضَمَّنُهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إِثْبَاتِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي، وَقَوْلُهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ مُخَالِفٌ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ وَالْفِطَرِ السَّلِيمَةِ، وَهَدَى اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ لِفَهْمِ كِتَابِهِ وَآمَنُوا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَأَقَرُّوا بِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَنَفَوْا عَنْهُ التَّشْبِيهَ، كَمَا جَمَعَ تَعَالَى بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
٤٤
٤٥
العلم الالهي
وعلمه بِمَا بَدَا وَمَا خَفِي
*
أَحَاطَ عِلْمًا بِالْجَلِيِّ وَالْخَفِي
أَيْ: وَمِمَّا أَثْبَتَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَلِيمٌ بِعِلْمٍ وَأَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَعِلْمُهُ أَزَلِيٌّ بِأَزَلِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ صِفَاتِهِ، فَقَدْ عَلِمَ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ جَمِيعَ مَا هُوَ خَالِقٌ وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِ خَلْقِهِ وَأَرْزَاقَهُمْ وَآجَالَهُمْ، وَأَعْمَالَهُمْ وَشَقَاوَتَهُمْ وَسَعَادَتَهُمْ، وَمَنْ هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ هُوَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَعَلِمَ عَدَدَ أَنْفَاسِهِمْ وَلَحَظَاتِهِمْ وَجَمِيعَ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ أَيْنَ تَقَعُ وَمَتَى تَقَعُ وَكَيْفَ تَقَعُ كُلُّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ وَبِمَرْأًى مِنْهُ وَمَسْمَعٍ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ سَوَاءٌ فِي عِلْمِهِ الْغَيْبُ وَالشَّهَادَةُ وَالسِّرُّ وَالْجَهْرُ وَالْجَلِيلُ والحقير لا يغرب عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [الْبَقَرَةِ: 235]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [الْبَقَرَةِ: 197]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [الْبَقَرَةِ: 215]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [الْبَقَرَةِ: 283]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آلِ عِمْرَانَ: 5]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الْأَنْعَامِ: 59]
، وَقَالَ تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [الْبَقَرَةِ: 187]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يُونُسَ: 61]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هُودٍ: 5]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النِّسَاءِ: 176]
، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرَّعْدِ: 8-10]
، وَقَالَ عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ: {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الْأَعْرَافِ: 89]
، وَقَالَ تَعَالَى عَنْ خَلِيلِهِ: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [إِبْرَاهِيمَ: 38]
، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [النَّحْلِ: 23]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الْإِسْرَاءِ: 55]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الْأَنْبِيَاءِ: 4]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 110]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الْحَجِّ: 70]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النُّورِ: 64]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النَّمْلِ: 74-75]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لُقْمَانَ: 16]
، وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السَّجْدَةِ: 6]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الْأَحْزَابِ: 54]
، وَقَالَ تَعَالَى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سَبَأٍ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فَاطِرٍ: 11]
، وَقَالَ: تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فَاطِرٍ: 38]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غَافِرٍ: 19]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فُصِّلَتْ: 54]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [مُحَمَّدٍ: 30]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الْحُجُرَاتِ: 16]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الْحُجُرَاتِ: 18]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]
، وَقَالَ تَعَالَى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النَّجْمِ: 30]
، وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النَّجْمِ: 32]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} [الْحَدِيدِ: 4]
، وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الْمُجَادَلَةِ: 7]
، وَقَالَ تَعَالَى: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الْمُمْتَحَنَةِ: 1]
، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التَّغَابُنِ: 4]
، وَقَالَ تَعَالَى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سَبَأٍ: 3]
، وَقَالَ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [التَّغَابُنِ: 18]
، وَقَالَ تَعَالَى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطَّلَاقِ: 12]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [تَبَارَكَ: 13]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [الْقَلَمِ: 7]
، وَقَالَ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الْجِنِّ: 26-28]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [الْمُزَّمِّلِ: 20]
، الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} [الْأَعْلَى: 7]
، وَقَالَ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النُّورِ: 63]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لُقْمَانَ: 34]
، وَقَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [آل عمران: 166]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فُصِّلَتْ: 47]
، وقال تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هُودٍ: 14]
، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} وَلَوْ ذَهَبْنَا نَسُوقُ جَمِيعَ الْآيَاتِ فِي إِثْبَاتِ عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَطَالَ الْفَصْلُ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الْأَمْرَ-ثُمَّ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ- خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- أَوْ قَالَ: فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- فَاقْدِرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدِرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ» وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ تَعَاقُبِ الْمَلَائِكَةِ بِأَطْرَافِ النَّهَارِ «فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بهم» وفيهما من دُعَاءُ الْكَرْبِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ» وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ الَّذِي أَوْصَى أَنْ يُحْرَقَ وَيُذْرَى ثُمَّ قَالَ: «لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ» وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ «إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «إِلَيْهِ» وَفِيهِ قَوْلُ الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَا مُوسَى إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لَا تَعْلَمُهُ» إِلَى أَنْ قَالَ: «فَرَكِبَا فِي السَّفِينَةِ قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ» وَفِي رواية: «إلا مثل مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ».
وَفِيهِمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ: لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ» وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
وَكَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عِلْمِهِ بِمَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ كَذَلِكَ أَخْبَرَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ فَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُمْكِنِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الْأَنْعَامِ: 9]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فُصِّلَتْ: 44]
، الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْأَنْعَامِ: 109-110]
، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 198-199]
، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُسْتَحِيلَاتِ لَوْ قُدِّرَ إِمْكَانُهَا: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 22]
، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 91]
، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 42-43]
، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَنْكَرَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عِلْمٌ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ إِضَافَةَ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، فَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِعِلْمِهِ، وَأَنَّ أُنْثَى لَا تَحْمِلُ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ، وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَحَارَبُوا نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَمِيعَ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَلَيْسَ مَعْبُودُهُمْ هُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ الَّذِي هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَإِنَّمَا يَعْبُدُونَ الْعَدَمَ الْمَحْضَ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا وُجُودَ، فَلْيَصِفُوهُ بِمَا شَاءُوا فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
اسماء الله الحسني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق